كفر ثلث.. محطات من الصمود والدفاع عن الأرض

فوق تلة وادعة إلى الجنوب الشرقي من مدينة قلقيلية، تتربع بلدة كفر ثلث الكنعانية الجذور، كشاهد على تاريخ الحضارات القديمة التي توالت على المنطقة، فيما باتت الآن كغيرها من القرى المجاورة محاطة بالمستوطنات الإسرائيلية الجاثمة على أراضيها، والتي تشكل كابوسا ومصدر خطر على حياة المواطنين وأراضيهم وممتلكاتهم.


وهذه البلدة الجميلة تتميز عن غيرها من القرى والبلدات، كونها تجمع بين السهل والجبل، إلى جانب قربها من حدود الداخل، ما يضفي عيها جمالاً فوق جمال، وإثارة الحنين إلى الوطن السليب.

وما يميز كفر ثلث أيضاً، وجود العديد من الخرب التاريخية ومنها: رأس عطية، رأس طيرة، الضبعة، أبو سلمان، والأشقر، والتي تنتشر في أرض البلدة الواسعة والممتدة على مدى البصر، ولكنها ومع الأسف بدأت بالتقلص رويدًا رويدًا، بفعل مخططات الاحتلال الرامية لنهب الأرض الفلسطينية.

ففي عام 2002 شرعت سلطات الاحتلال ببناء جدار الفصل العنصري، الذي لم تنج منه كفر ثلث، فقد سلب هذا الجدار مساحات شاسعة من أراضيها، وعَزل خِرب الضبعة ورأس عطية ورأس طيرة ووادي رشا خلفه، وتم إحاطتها بالسياج الشائك والأسوار من كل ناحية.، ولم يقف الحد عند ما اقتطعه الجدار فقط، بل تم أيضا مصادرة مساحات أخرى لصالح مستوطنة “الفيه منشة” التي أقيمت في أوائل ثمانينيات القرن الماضي.

وبعد وقت تمكن أهالي تلك الخِرب المعزولة من انتزاع قرار لاستعادة ممتلكاتهم وأراضيهم المسلوبة، بعد أن عاشوا معاناة كبيرة، نتيجة إجراءات مشددة كان يفرضها جيش الاحتلال على المواطنين في كل عملية مرور من تلك البوابة المؤدية للخِرب أو عند الذهاب إلى وظائفهم وأعمالهم.

ويتحدث رئيس بلدية كفر ثلث، عبد اللطيف مراعبة، عن مكانة البلدة التاريخية، موضحاً أنها تحتوي على آبار كنعانية وأماكن أثرية مثل “مغارة الجمل” التي تتسم بطابع ديني، إلى جانب الآثار الرومانية والخرائب، بالإضافة إلى الآثار الاسلامية حيث بُني فيها الجامع العُمري الذي زالت آثاره، فيما نقلت حجارته القديمة للبيوت المجاورة.

وقال: “إن البلدة ساهمت في ثورة البراق عام 1936 زمن الانتداب البريطاني، وشارك أبناؤها بالانتفاضات الشعبة، وقد برز دورها الفاعل في المنطقة خلال الانتفاضة الأولى عام 1987، وانتفاضة الأقصى عام 2000، واستشهد العديد من أبنائها في سبيل الدفاع عن الارض والوطن”.

أما عن اهتمامات أهالي بلدته، أوضح مراعبة أنهم يهتمون بشكل كبير بالزراعة وتطويرها خاصة المروية، واستصلاح الأراضي، حيث يزرعون الزيتون والحمضيات، وأشجار الجوافة التي تحتل القسم الأكبر من بيارات البلدة، ويُصدّر المزارعين هذه الثمار للمحافظات الأخرى في الوطن، مبيناً أن التوسع العمراني وزيادة البناء قد قلص من تلك المساحات المزروعة.

ويتابع مراعبة: “يعمل قسم من أبناء البلدة في مهن وحِرف أخرى، ومنهم موظفون في مختلف القطاعات الحكومية والخاصة، وقد برز من أبنائها المتعلمين والمثقفين في شتى المجالات”.

ولفت مراعبة إلى نقص العديد من الخدمات، مشيراً إلى أن البلدة بحاجة إلى عيادة صحية حكومية، ومركزا للشرطة، ومدارس وناد نسوي، ونادٍ رياضي، وغير ذلك.

وأشار إلى مشاكل أخرى تعجز البلدية عن إيجاد حلول لها، وذلك لعدم وجود جهات ممولة لمشاريع خدماتية في البلدة، حيث أنها تعاني من تراكم النفايات، وعدم وجود شبكة للصرف الصحي، وكذلك انقطاع الكهرباء بين الحين والآخر.

ويؤكد مراعبة أن البلدية تسعى جاهدة إلى تنفيذ خطتها الاستراتيجية لتوسيع البنية التحتية والشوارع، وتوسيع شبكة الري الزراعي، وكذلك تطوير شبكة الكهرباء فيها، مطالباً الحكومة الفلسطينية والجهات المختصة الاهتمام بشكل أكبر في هذه البلدة العريقة وتوفير الخدمات اللازمة لها وتنفيذ المشاريع التنموية للنهوض بها، والحفاظ على مكانتها التاريخية الأصيلة وموقعها الجغرافي المميز.