قوانین تتجاھل حقوق الفلسطینیین!

بقلم: جیمس زغبي

خلال الشھر الماضي احتجزت إسرائیل 800 فلسطیني بموجب أوامر اعتقال إداریة، وطردت كثیرین من القدس الشرقیة، واستولت على المزید من الاراضي المملوكة للعرب في مناطق حول الخلیل وفي غور الاردن، وفرضت إغلاقا على مناطق فلسطینیة كثیرة خلال أیام الاعیاد الدینیة الیھودیة. ومر كل ھذا دون أن تلتفت له الصحافة الامیركیة، لان مثل ھذه السیاسات الاسرائیلیة مستمرة منذ 55 عاما، وھي انتھاك للقانون الدولي. وكثیر من ھذه الممارسات أرساھا البریطانیون في البدایة للمساعدة في سحق الثورة الفلسطینیة الكبرى بین عامي 1936و1939 .حینذاك، سیطر المتمردون الفلسطینیون في ذروة انتفاضتھم على مناطق مھمة من البلاد، فأنشأ البریطانیون «إدارة الطوارئ العسكریة في فلسطین». وبموجب أحكام النظام الجدید، تم اعتقال واحتجاز الالاف من المتمردین الفلسطینیین دون توجیه اتھامات إلیھم، ُوطرد المئات، وتعرضت القرى للعقاب الجماعي، وصودرت أو دمرت الممتلكات الفلسطینیة، أو الامرین معا، في محاولة لانھاء الثورة. وبینما لعبت ھذه الاجراءات القمعیة دورا، فإن ما أخمد جذوة الثورة في نھایة المطاف كان وعودا كاذبة من البریطانیین للنظر في مطالب الاستقلال الفلسطینیة وقبول الزعماء العرب لھذه الوعود وحثھم المقاتلین الفلسطینیین على إلقاء سلاحھم. وبعد الحرب العالمیة الثانیة، وفي مواجھة التھدید الجدید المتمثل في التمرد الصھیوني المسلح، أعادت بریطانیا إدارة الطوارئ، ھذه المرة ضد الملیشیات الیھودیة. وردا على ذلك، غضب الزعماء الیھود. وانتقد أحد المحامین المعروفین، وھو یعقوب شمشون شابیرو الذي أصبح فیما بعد وزیر العدل والمدعي العام الاسرائیلي ھذه القوانین البریطانیة باعتبارھا «لا مثیل لھا في أي بلد متحضر». ومضى واصفا إیاھا بالقول: «لم یكن ھناك مثیل لھذه القوانین حتى في ألمانیا النازیة.. لا یوجد سوى شكل واحد من أشكال الحكم یشبه النظام المعمول به ھنا الان ھو حالة دولة محتلة.. من واجبنا أن نقول للعالم كله إن قوانین الدفاع التي أصدرتھا حكومة الانتداب البریطاني في فلسطین تدمر أساس العدل ذاته مع الفلسطینیین بعد النكبة، دون أي احتجاج من قبل فقھاءالقانون فیھا  
 وبدءامن عام1948وحتى عام 1965 سنت إسرائُیل«قوانین الدفاع في حالات الطوارئ»للسیطرة على المجتمع الفلسطیني المحاصر. وھذه القوانین تعمل إجمالا على ترسیخ إدارة عسكریة في القطاع العربي، وفرض عقوبات جماعیة، واعتقال المواطنین الفلسطینیین دون إجراءات قضائیة، أو طردھم دون سبیل إلى العودة، ومصادرة الاراضي المملوكة لھم، وفرض حظر تجول وإغلاق على مناطق بأكملھا. العمل رسمیا بـ«قوانین الدفاع في حالات الطوارئ» عام 1965 ،لكن ُأعید إحیاؤھا وتعدیلھا في عام 1967 ُوطبقت َّ بشدة أكبر على مناطق فلسطین المحتلة عام 1967 .وانتشر العقاب الجماعي لقرى بأكملھا، وكذلك تم استخدام الاعتقال الاداري. ولم ُيسمح بأیة أحزاب سیاسیة أو تعبیرات عن الھویة الوطنیة الفلسطینیة. وتم طرد أكثر من 1200 من الزعماء الفلسطینیین، من رؤساء البلدیات ورؤساء الجامعات وقادة العمال ورجال الدین. وتمت مصادرة مساحات كبیرة من الاراضي المملوكة للعرب. واستخدمت ھذه المساحات فیما بعد لبناء المستوطنات الاسرائیلیة. وألان عملیات البناء الفلسطینیة تتطلب تصریحا إسرائیلیا عزیز المنال، فقد تعرضت المنا ُزل والمباني السكنیة الفلسطینیة غالبا للھدم. وحتى بعد اتفاقیات أوسلو التي كان الفلسطینیون یأملون أن تؤدي إلى قیام دولة مستقلة، ظلت أحكام «قوانین الدفاع في حالات الطوارئ» ساریة كممارسة قانونیة مقبولة من سلطات إسرائیل. ونظرا لان ھذه «القوانین» الاسرائیلیة ساریة منذ أكثر من سبعة عقود، فالعجب في أن العالم الغربي والزعماء السیاسیین الغربیین اعتادوا على ھذه الاجراءات الاسرائیلیة ولم تعد تحرك فیھم شیئا. الفلسطینیون بشر یستحقون الحقوق التي كفلھا الاعلان العالمي لحقوق اإلنسان واتفاقیات جنیف. و«المخاوف الامنیة» لاسرائیل (مثل المخاوف البریطانیة في ثلاثینیات وأربعینیات القرن الماضي) التي سوغت  َالهدم الكامل للقانون والاتفاقیات الدولیة، والت سوغت أیضا صمت الغرب عن ھذا التجاھل التام لحقوق الفلسطینیین.  ھذه القوانین «تدمر أساس العدل ذاته في ھذه الارض.. لا یحق لاي حكومة إصدار مثل ھذه القوانین»