خلال 11 يوماً فقط، انهارت 4 بنوك أمريكية، وكاد بنك سويسري أن يعلن إفلاسه، فهل السيناريو أو الأسباب واحدة في تلك الحالات؟ وهل تم تفادي الأزمة أم أن القلق من “تأثير الدومينو” لا يزال قائماً؟
كانت إدارة الرئيس جو بايدن قد اضطرت للتدخل لضمان أموال المودعين في بنك وادي السيليكون بعد إفلاسه، في الوقت الذي أعلن بنك أمريكي آخر هو سيغنتشر الإفلاس أيضاً، ما تسبب في حالة من الذعر خوفاً من أن يشهد العالم تكراراً للأزمة المالية عام 2008، والتي بدأت بالطريقة نفسها من أمريكا.
وسرعان ما وصل عدد البنوك المنهارة إلى 4 مصارف، والخامس يكافح الخامس للتشبث بالحياة، وهو ما ترك المستثمرين في حالة تخبُّط. وعلى الرغم من أن هذه الإخفاقات كلها وقعت في غضون 11 يوماً فقط، إلا أن سقوط كل منها حدث بسيناريو فريد من نوعه.
بنك سيلفرغيت.. أول المفلسين
ونشرت وكالة Bloomberg الأمريكية تقريراً يرصد أسباب كل حالة من حالات الانهيار على حدة، يوضح كيف سارت اضطرابات تلك المصارف، وكيف كان رد فعل الجهات التنظيمية، وسط المخاوف من أن نطاق الأزمة قد يتسع أكثر.
كان مصرف سيلفرغيت Silvergate Capital Corp أول المصارف الأمريكية التي انهارت، نتيجة تعرضه لمخاطر انهيار صناعة العملات المشفرة. وقد حاولت مؤسسة تأمين الودائع الفيدرالية التدخل بتصريحٍ من الاحتياطي الفيدرالي، وناقشت مع إدارة المصرف وسائل تفادي الإغلاق.
لكن المصرف الذي يقع مقره في لاهويا بكاليفورنيا فشل في التعافي بالتزامن مع تدقيق الجهات التنظيمية، وأثناء التحقيق الجنائي الذي فتحته وحدة الاحتيال بوزارة العدل الأمريكية حول تعاملات المصرف مع شركات سام بانكمان فرايد العملاقة المنهارة، وهي منصة إف تي إكس FTX وشركة Alameda Research.
إفلاس بنكين في أمريكا استثمرا أموال المودعين بالعملات المشفرة – رويترز
وعلى الرغم من أن التحقيق قد برّأ البنك وأثبت أنه لم يرتكب أية مخالفات، إلا أن جراح بنك سيلفرغيت كانت قد ازدادت عمقاً بالتزامن مع بيعه للأصول بخسارة، من أجل تغطية عمليات السحب بواسطة العملاء المذعورين. وقد أعلن المصرف في الثامن من مارس/آذار عن تعطيل عملياته وتصفية أعماله.
أي أن ما حدث في بنك سيلفرغيت كان سببه الرئيسي انهيار وإفلاس منصة إف تي إكس للعملات المشفرة برئاسة سام بانكمان، أحد أباطرة العملات المشفرة في أمريكا والعالم، والذي يواجه حالياً اتهامات جنائية ويخضع للإقامة الجبرية في منزله بعد إطلاق سراحه بكفالة ضخمة.
مصرف وادي السيليكون
بعد كتابة الشطر الأعظم من صفحة نعي مصرف سيلفرغيت، كان صبر المستثمرين والمودعين في مصرف وادي السيليكون Silicon Valley Bank التابع لمجموعة SVB Financial Group قد أوشك على النفاد بالفعل. وفي الثامن من مارس/آذار، أعلن المصرف عن خطة لبيع أسهم بقيمة 2.25 مليار دولار، وعن خسائر كبيرة في محفظة استثماراته.
فتراجعت أسهم المصرف بنسبة 60% في اليوم التالي لانتشار الأخبار، ثم انهارت بعد يومٍ واحد مع فرض مؤسسة تأمين الودائع الفيدرالية للحراسة القضائية على المصرف.
وتحركت الجهات التنظيمية لتفكيك المصرف بعد فشلها في العثور على مشترٍ مناسب. لكن يوم الإثنين 13 مارس/آذار، حمل بعض الأخبار التي تبعث على الأمل. إذ مدّدت مؤسسة تأمين الودائع الفيدرالية زمن عملية المزايدة، بعد أن شعرت “باهتمام كبير” من عدة مشترين محتملين.
تأثر بنك سيليكون فالي برفع أسعار الفائدة في أمريكا التي أثرت سلبا عليه ما أدى إلى إفلاسه حيث نقلت وكالة Bloomberg الأمريكية، يوم الإثنين، أن مصرف First Citizens BancShares، أحد أكبر مشتري المؤسسات المصرفية الأمريكية المنهارة، لا يزال يأمل في توقيع صفقة لشراء مصرف وادي السيليكون بالكامل. وجاءت أنباء الوكالة الأمريكية نقلاً عن مصادر مطلعة على المسألة.
مصرف سيغنتشر
أصبح مصرف سيغنتشر Signature Bank ثالث أكبر مصرف ينهار في تاريخ الولايات المتحدة يوم 12 مارس/آذار، عقب زيادة عمليات سحب العملاء التي وصلت إلى نحو 20% من إجمالي ودائع المصرف.
إذ إن الأزمة التي مر بها المصرف قبل 4 أيام أثارت قلق العملاء على ودائعهم في سيغنتشر، رغم أن تعرض المصرف للعملات المشفرة كان أقل بكثير. بينما قالت الجهات التنظيمية الفيدرالية إنها فقدت ثقتها في قيادة المصرف، ولهذا فرضت عليه الحراسة القضائية. وحصل العملاء أصحاب الودائع المؤمنة وغير المؤمنة على وصولٍ كامل إلى ودائعهم، وذلك بموجب بند قانوني اعتمدت عليه جهات التنظيم ويُعرف باسم “إعفاء المخاطر النظامية”.
بنك ستجنتشر أمريكا
واستحوذ مصرف Flagstar Bank، التابع لمصرف New York Community Bancorp، على ودائع مصرف سيغنتشر وبعض قروضه في وقتٍ متأخر من يوم الأحد 19 مارس/آذار. حيث وافق المصرف المستحوذ على أن يشتري من مؤسسة تأمين الودائع الفيدرالية أصولاً بقيمة 38 مليار دولار، تتألف من 25 مليار دولار نقداً ونحو 13 مليار دولار في صورة قروض.
كما استحوذ المصرف على التزامات سيغنتشر المقدرة بنحو 36 مليار دولار أيضاً، ومنها 34 مليار دولار في صورة ودائع. وستعمل فروع مصرف سيغنتشر من الآن باعتبارها فروعاً لمصرف Flagstar.
سقطت مجموعة Credit Suisse Group AG في يوم الأحد، بعد وساطة مسؤولي سويسرا في صفقة مع مجموعة UBS Group AG لاستحواذ بقيمة 3.2 مليار دولار، وذلك بهدف تجنب اندلاع أزمة مالية أوسع. ولم يكن هناك أي خيار مطروح آخر سوى التأميم الكامل أو الجزئي للمصرف.
وجاءت نهاية المصرف السويسري البالغ من العمر 166 عاماً، بعد محاولة رئيسه التنفيذي أولريتش كورنر إنقاذه من خلال التواصل مع العملاء على نطاقٍ واسع، عقب سحبهم لمبالغ غير مسبوقة من حساباتهم في المصرف العام الماضي.
لكن محاولته لم تكن كافية في النهاية لمواجهة سيل الفضائح والخسائر المقدرة بمليارات الدولارات في تعاملات المصرف، خاصةً مع رجل الأعمال سيئ السمعة ليكس غرينسيل وشركة الاستثمار المنهارة Archegos Capital Management.
وفي التاسع من مارس/آذار، طرحت هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية بعض الأسئلة حول التقرير السنوي للمصرف، ما أجبره على تأجيل نشر التقرير. ثم انتشرت حالة الذعر بعد انهيار المصارف الأمريكية الإقليمية وبعد استبعاد رئيس البنك الأهلي السعودي، أكبر المصارف صاحبة الأسهم في كريدي سويس، لاستثمار أي مبالغ إضافية في هذا المصرف.
سقط مصرف فيرست ريبابليك ضحيةً لنفس حالة هروب العملاء التي أغرقت ثلاثة من منافسيه الأمريكيين قبله، مع وصول إحدى التقديرات المحتملة لحجم سحب الودائع إلى نحو 89 مليار دولار.
وحاولت 11 مؤسسة مصرفية أمريكية دعم مصرف فيرست ريبابليك بإيداع 30 مليار دولار في أرصدته خلال الأسبوع الماضي. لكن المصرف الواقع في سان فرانسيسكو يقدم خدماته المصرفية الشخصية لتلبية احتياجات نخب التقنية وغيرهم من الأثرياء، وقد انهارت أسهمه لأدنى مستوياتها القياسية بالتزامن مع خفض تصنيفه الائتماني عدة مرات.
ونقلت وكالة بلومبيرغ عن مصادر مطلعة، يوم الإثنين 20 مارس/آذار، أن الرئيس التنفيذي لمصرف جي بي مورغان تشيس JPMorgan Chase جيمي دامون وضع خطةً جديدة لمساعدة فيرست ريبابليك، عن طريق تحويل بعض أو كل ودائع المصارف الأخرى المقدرة بـ30 مليار دولار إلى عملية ضخ رؤوس أموال بنسبة أرباح مستقبلية.
الخلاصة هنا هي أنه على الرغم من السرعة الفائقة التي انهارت بها تلك البنوك، إلا أن الظروف والأسباب في كل حالة منها كانت مختلفة تماماً عن ظروف الحالات الأخرى، وهو ما يراه خبراء الاقتصاد مؤشراً على أن الإرهاصات التي أحاطت بالأزمة المالية العالمية ربما لا تكون متوفرة في حالات إفلاس البنوك هذه، رغم الهزة العنيفة التي يعاني منها القطاع المصرفي حول العالم.