يديعوت – بقلم ميخائيل ميلشتاين رئيس منتدى الدراسات الفلسطينية في مركز موشيه دايان في جامعة تل ابيب
يوم الذكرى الثلاثين لمؤتمر مدريد، الذي يوصف كأحد علامات الطريق المركزية في تاريخ الشرق الأوسط الحديث بعامة والنزاع الإسرائيلي – العربي بخاصة، مر قبل نحو شهر دون احتفالات في إسرائيل والعالم العربي أو الولايات المتحدة، وعملياً دون أي ذكر تقريباً. والفجوة بين الصورة عظيمة الأهمية التي تمنحها كتب التاريخ للمؤتمر وبين التجاهل الجارف للحدث تعكس الهوة التي فغرت فاها على مدى ثلاثة عقود بين أمل الماضي وواقع الحاضر.
لقد عقد المؤتمر برعاية وتحفيز أمريكيين فور حرب الخليج الأولى، في ظل محاولة استغلال الواقع الناشئ مع نهاية الحرب الباردة لتصميم شرق أوسط جديد وأكثر استقراراً، يقوم على أساس اتفاقات سياسية تحت هيمنة أمريكية. وكانت هذه هي المرة الأولى التي ينعقد فيها معاً معظم زعماء المنطقة. وتضمن الحدث مشاهد غير عادية مثل وجود مشترك لإسحق شامير ووزير الخارجية السوري فاروق الشرع في القاعة ذاتها (تبادل الرجلان في خطاباتهما الضربات اللفظية، التي ذكر الشرع في ذروتها ماضي شامير ووصفه “بالإرهابي”)، أو مشاركة مندوبين فلسطينيين في إطار الوفد الأردني في مع أنهم يتبعون إمرة م.ت.ف. المؤتمر نفسه لم ينتهِ بأي اتفاقات. جسد الحدث بداية عقد سياسي وقعت في ذروته اتفاقات سياسية بين إسرائيل والفلسطينيين والأردن، وجرت مفاوضات غير مسبوقة بين إسرائيل وسوريا، لم تنجح في نهاية المطاف.
ثلاثة أهداف استراتيجية كانت في مركز جدول الأعمال الذي سعت الولايات المتحدة لتكوينه في الشرق الأوسط عام 1991. من مسافة الزمن، يمكن القول إن اثنين منهما باءا بالفشل، وواحد سجل نجاحاً. الإنجاز كامن في تحقيق التطبيع بين إسرائيل والدول العربية، مسيرة سجلت ذروة في السنوات الأخيرة عقب التوقيع على “اتفاقات إبراهيم”؛ والهدفان اللذان فشلا هما محاولة إقامة سلام أمريكي، انهار في العقد الأخير على خلفية انسحاب الولايات المتحدة من العراق وأفغانستان، ومحاولات وضع حد للنزاع الإسرائيلي – الفلسطيني.
في نهاية العام 2021 لا يمكن لإسرائيل أن تواسي نفسها في أن واحداً قد تحقق على الأقل من الأهداف العليا الثلاثة لمؤتمر مدريد. فمسيرة التطبيع مع العالم العربي (التي تترافق والكشف عن “الأسقف الزجاجية” التي تتخذ شكل المصاعب في فتح حوار بين المجتمع في إسرائيل والمجتمع في معظم العالم العربي) هي ذات أهمية استراتيجية، ولكن ليس فيها ما يكفي لأن يمنح إسرائيل استقراراً وأمناً على مدى الزمن.
وبالنسبة لفشل المؤتمر: ليس لإسرائيل قدرة على مساعدة الولايات المتحدة في مساعيها العبثية لتغيير وجه الشرق الأوسط بروح دول قومية مستقرة ونظام ديمقراطي، الهدف الذي تمسك به وفشل – كل واحد بطريقته – كل الرؤساء الأمريكيين في الثلاثين سنة الأخيرة. ومع ذلك إسرائيل قادرة بل وملزمة بتحقيق حسم ما في الموضوع الفلسطيني. سنوات طويلة من المواجهات الحادة بين الطرفين، وجمود سياسي وانقسام داخلي في الساحة الفلسطينية، كلها أدت إلى فقدان الثقة في القدرة على إحلال تسوية بين إسرائيل والفلسطينيين، وإلى يأس دولي من الموضوع. وبدلاً من السعي لحل سياسي دخلت على مدى السنين مناهج “إدارة النزاع” و”السلام الاقتصادي”، التي توفر هدوءاً على المدى القصير، ولكنها تترافق عملياً واندماجاً بين المجتمعين –ولا سيما في يهودا والسامرة– وتوجهه إلى واقع الدولة الواحدة.
بعد ثلاثة عقود من بدء المسيرة السياسية في الشرق الأوسط، قلت احتمالات تحقيق تسوية إسرائيلية – فلسطينية تقوم على أساس رؤيا الدولتين في 1967، في المدى المنظور على الأقل. ومع ذلك، لم يتوصل الأطراف بعد إلى نقطة اللاعودة في كل ما يتعلق بالفصل الإقليمي، وأنه لا ضرورة لأن يتمثل بإقامة دولة فلسطينية مستقلة، بل بإقامة حكم ذاتي ذي حدود جغرافية واضحة. فالهدوء النسبي القائم في “يهودا والسامرة” في أثناء العقد الأخير ليس دليلاً على أن لا حاجة للوصول إلى حسم في الموضوع الفلسطيني، بل على اندماج زاحف بين إسرائيل والفلسطينيين سيؤدي إلى حياة مشتركة ولكنها مليئة بالعداء بين المجتمعين، وينطوي على احتمال لانفجار أشد مما في الماضي.