كتب: عقل أبو قرع
وهذا بدوره مؤشر خطير لما هو آتٍ في المستقبل، وبالأخص حين تضرب تداعيات التغيرات المناخية، سواء أكانت على شكل فيضانات أو أعاصير أو تصحر او جفاف أو آفات جديدة، الدول الفقيرة وغير المهيأة للتعامل مع هذه التداعيات، وتشهد الكرة الأرضية ونحن جزء منها هذه الأيام ارتفاعاً شديداً في درجات الحرارة من المتوقع ان يتواصل ويشكل مؤشراً خطيراً لما هو قادم نتيجة للتغيرات البيئية والمناخية التي تحدث في العالم، حيث سيكون لهذه الارتفاعات آثار وخيمة قصيرة وبعيدة المدى، وبالطبع سوف تكون الفئات الهشة مثل النساء والأطفال وتلك التي تفتقر الى الخدمات ووسائل الوقاية والمناطق الفقيرة هي الأكثر تضرراً.
وتتفاقم تداعيات التغيرات المناخية، رغم قمم المناخ السنوية المتتالية، ورغم القرارات والتعهدات والآمال، حيث وخلال اشهر، وبالتحديد في بداية شهر كانون الأول القادم، يبدأ العشرات من الرؤساء ورؤساء الحكومات والقادة والمسؤولين من كافة الأنواع والأصناف والتسلسل الوظيفي، بالتوافد الى مدينة دبي في دولة الإمارات العربية المتحدة، من أجل المشاركة في قمة المناخ الدورية السنوية، التي سوف يكون رقمها 28، في ظل أوضاع قاتمة ومتفاقمة من التدهور البيئي ومن التغيرات المناخية، التي باتت تؤثر على الحياة اليومية لمئات الملايين من البشر، وعلى نوعية وتوفر المياه والإنتاج الغذائي والجفاف والتصحر وتضاؤل الحيز المكاني بسبب الفيضانات وخسارة الأرض الزراعية، وتراكم النفايات والاحتمالات الكبيرة لانتشار أوبئة وأمراض جديدة قد تفتك بالمحاصيل والناس، وما لذلك من تداعيات.
ورغم العديد من القمم السنوية المناخية المماثلة، ما زالت غازات التلوث البيئي من ثاني أكسيد الكربون ومن ميثان وغيرهما تنفذ الى طبقات الجو من خلال نشاطات دول التزمت بخفض نسبة الانبعاث ولم تفِ بالتزامها، وما زالت الصين والولايات المتحدة الأميركية تبث حوالي 45% من غازات التلوث العالمية، وما زالت الدول الغنية العشرون تبث حوالى 74% من الغازات في العالم، وقارة مثل أفريقيا تساهم فقد بأقل من 3% من بث غازات التلوث أو الدفيئة في العالم، وفي نفس الوقت فإن أفريقيا والمناطق الفقيرة الأخرى تتحمل التداعيات الأوخم لتغيرات المناخ في العالم، والتي تتسبب فيها الدول الغنية أو المتقدمة.
وبغض النظر عن القرارات التي تم اتخاذها في قمم المناخ السابقة، او في غيرها من القمم، فيما يتعلق بمحاربة التلوث، وبغض النظر عن الآلية التي تم وضعها للتطبيق العملي لهذه القرارات والتي تهدف في الأساس الى تقليل كمية الغازات الملوثة التي يتم بثها الى الجو، والى التوجه أكثر نحو مصادر الطاقة النظيفة أو الخضراء، الا أن الآثار والتداعيات البيئية والصحية التي أحدثتها وما زالت تحدثها هذه الدول بفعل الاحتباس الحراري والتغيرات المناخية قد شملت معظم دول العالم، وبالأخص الدول الفقيرة التي لا تساهم بشكل ما في إحداث التغيرات المناخية، ولكن تتحمل العواقب والآثار بشكل أكثر إيلاماً أو بدون إنصاف أو بدون عدل، وهنا نشأ مصطلح ما بات يُعرف «العدالة المناخية» أو بالأحرى عدم وجود أو غياب عدالة مناخية في العالم.
تلك العدالة التي هي غائبة منذ زمن، وربما بدون ظهور آثار ملموسة مثل ما نلحظ هذه الأيام، ونحن نعرف أن تحقيقها يعني الحد من الغازات التي تلوث الجو والبيئة، وهذا يعني الحد من النشاطات الاقتصادية، او الى التوجه نحو الاستثمار اكثر في نشاطات اقتصادية صديقة للبيئة، او نشاطات صناعية نظيفة وخضراء، وهذا يعني او يؤثر على المال والفلوس والاستثمار والعمل والتشغيل، وهذا يعني بالضبط السياسة وتداخل المال مع السياسة، او تداخل وتأثير رجال المال والاقتصاد على السياسيين، وهذا يعني مدى صعوبة نقاش موضوع التغيرات المناخية في قمم العالم وبالأخص قمم الدول الصناعية الغنية.
ومع انقشاع الصور المأساوية لما أحدثته الفيضانات في ليبيا، ومع دق ناقوس الخطر الحقيقي لكوكب الأرض، ومع تواصل غياب العدالة المناخية في هذا العالم، فإن مفهوم العدالة المناخية ينطبق كذلك علينا في فلسطين، حيث بدأنا وسوف نلمس آثاره في مجالات المياه والإنتاج الغذائي والجفاف والتصحر، وانتشار الآفات وضياع جزء كبير من المحاصيل، وارتفاع الأسعار وانعدام الأمن الغذائي، وبالتالي استخدام المواد الكيميائية بشكل اكثر، وهذا التأثير له وسوف تكون له أبعاد واضحة في المجالات الصحية والاجتماعية والاقتصادية، والتي سوف تغير وجه الحياة على هذه الأرض آجلاً أم عاجلاً.