عقارب الساعة تدق ناقوس اقتصادنا

بقلم: د. سعيد صبري

في ليلة 28/تشرين اول من عام 2022 ، أقرت الحكومة الفلسطينية تغير عقارب الساعة 60 دقيقة للخلف لنبدأ التوقيت الشتوي كما ‏جرت علية العادة كل عام، فهل سنعود الى الخلف باحثين عن إقتصادنا ، واراضينا، التي  نهبها المحتل ، وسيطر على مصادرها ‏الطبيعية ، وهل سنستطيع إسترجاع ما قد فقد ويفقد يومياً، وهل سنستطيع أن نخفف ألعبء التراكمي على المواطنين الفلسطينين ‏بسهولة قرار تغير عقارب الساعة؟ ‏

نطالب العالم من خلال كافة المنابر الدولية والعالمية والإعلامية بمقاطعة البضائع الـمستوردة من الـمستوطنات، كما أننا جميعاً متفقين ‏أن الاستيطان غير شرعي ويجب إزالته، ونحن نستورد منتجات من الـمستوطنات قيمتها أكثر من 500 مليون دولار سنوياً، فهل يعقل ‏ذلك؟! ‏

إن حجم الصادرات الإسرائيلية إلى الأسواق الفلسطينية تبلغ قيمتها 3.4 مليار دولار، وتمثل نحو 70% من إجمالي الواردات ‏الفلسطينية سنويًا‎.‎وحسب الجهات الرسمية الفلسطينية فأن حجم المبيعات السنوية لبضائع المستوطنات في الضفة الغربية يتجاوز ‏نصف مليار دولار أمريكي، وقرابة 60% من الدخل السنوي للمستوطنات الإسرائيلية، يساهم به الفلسطينيون، من خلال شرائهم ‏المنتجات المصنعة في المستوطنات. ‏
إن الحقيقة الى تم توثيقها لدي العالم ، تتمثل في عملية بناء المستوطنات الإسرائيلية على الاستغلال الاقتصادي للأرض الفلسطينية ‏المحتلة ‏‎. ‎‏ والتي تمثلت بالمصادرة اليومية لمساحات واسعة من الأراضي، وتدمير الممتلكات الفلسطينية لاستخدامها في أغراض ‏إنشائية وزراعية، ونهب الموارد المائية، فهل يقبل دوليا أن قرابة‎ ‎‏600 ألف مستوطن ‏‎ ‎يستهلكون من المياه الجوفية بفلسطين‎ ‎ستة ‏أضعاف‎ ‎ما يستهلكه سكان الضفة الغربية الفلسطينيون البالغ عددهم نحو 2.86 مليون نسمة، ويتمادى المحتل بالسيطرة على المعالم ‏السياحية والأثرية، واستغلال كافة المصادر الطبيعية كالمحاجر الفلسطينية والمناجم وموارد البحر الميت، وغيرها.‏

‏ تشير أحدث البيانات الإحصائية أن المستوطنات الإسرائيلية تسيطر على نحو‎ 42% ‎من أراضي الضفة الغربية، وهذه النسبة تمثل فقط ‏المناطق التي شيد بها المستوطنون ابنيتهم بالاضافة الى حدود البلدية للمستوطنات الإسرائيلية. وبناء على معطيات رسمية فإن حجم ‏البناء بالمستوطنات المحيطة بالضفة الغربية تفوق مساحة الرقعة المبنية ب 10 اضعافها وهي محظورة على الفلسطينيين إلا ‏بتصريح‎.‎
‏ فقد تم تشييد المستوطنات بالمنطفة المسماة (ج) من الضفة الغربية، والتي تمثل60% من مساحة الضفة الغربية، وتعتبر تلك المناطق ‏المسيطر عليها من قبل المستوطنين من أغنى المناطق بالمصادر الطبيعية‎. ‎ووفقًا‎ ‎لدراسة‎ ‎أعدها البنك الدولي، فإن 68% من مساحة ‏المنطقة (ج) حُجزت لبناء المستوطنات الإسرائيلية، في حين أُجيزَ للفلسطينيين استخدامُ أقل من 1‏‎.%‎
‏”ذلك لا يوجد اقتصاد واحد، هناك بقع، وخلق هجين في اعتماد كامل، غير متكافئ وغير صحي مع إسرائيل”، في المنطقة (ج)، التي ‏تشكل حوالي 60% من الضفة الغربية، يعيش ما يقدر بـ 80.000-200.000 فلسطيني تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة. تحدد ما ‏يسمى بالإدارة المدنية والجيش الإسرائيلي للفلسطينيين في المنطقة (ج) ما إذا كان يُسمح لهم بالتنقل من مكان إلى آخر، والوصول إلى ‏العمل، وإنشاء شركة وإدارتها، وزراعة أراضيهم وبناء منازل فيها‎.‎
‎ 6000 ‎عامل فلسطيني في وادي الأردن وحده يعملون بالمستوطنات. يتغلغل الزحف والاستغلال الاستيطاني الإسرائيلي ضمن ‏المنطقة (ج) في غور الأردن والجزء الشمالي من البحر الميت. وتسيطر إسرائيل على‎ 85.2% ‎من مساحة هذه الأراضي بالأغوار ‏الفلسطينية، يُمنَع الفلسطينيون من العيش هناك أو البناء أو حتى رعي ماشيتهم بحجة أن الأرض هي إما “أراضي دولة” أو “منطقة ‏عسكرية”أو “محمية طبيعية‎.”‎وتعتبر هذة الأراضي من أغني وأخصب الأراضي في الضفة الغربية وتسيطر المستوطنات ‏الإسرائيلية حيث إن وفرة المياه والمناخ الملائم السائد فيها يوفران الظروف المثلى لازدهار الزراعة. وكما ان هذة الأراضي تنتج ‏‏ 40‏‎% ‎من حجم صادرات التمور‎ ‎من إسرائيل. ‏
‏ نصف مليار شيكل تُقدَّر الإيرادات التي تجنيها إسرائيل من استغلال الأراضي والموارد الفلسطينية في غور الأردن وشمال البحر ‏الميت سنوياُ، ولمعرفة أثر ذلك على الاقتصاد الفلسطيني، تضيف مصادر احصائية وبحثية أن التكلفة غير المباشرة الناجمة من ‏القيود الإسرائيلية التي تحول دون حصول الفلسطينيين على إمدادات المياه في غور الأردن وبالتالي عدم قدرتهم على زراعة أراضيهم ‏‏- بلغت قرابة “700مليون دولار”، أي ما يعادل 9.4% من الناتج المحلي الإجمالي الفلسطيني.‏

وتُقدِّرُ‎ ‎دراسةٌ أعدَّها البنك الدولي‎ ‎أنه لولا تلك القيود الإسرائيلية التي تحول دون الاستفادة من الموارد الهائلة في البحر الميت ‏وتمنع الفلسطينيين من إقامة صناعة مستحضرات التجميل وصناعات قائمة على التعدين. ، لبلغت القيمة السنوية المضافة من إنتاج ‏المغنيسيوم والبوتاس والبرومين وبيعها قرابة مليار دولار في الاقتصاد الفلسطيني، أي ما يعادل 12% من الناتج المحلي الإجمالي في ‏عام 2019.‏

و‎ ‎تقدَّر‎ ‎خسارة الاقتصاد الفلسطيني السنوية الإجمالية في قطاع المحاجر والتعدين 650 مليون دولار، فيما ، وتشير التقديرات المنشورة ‏إلى أن القيود المفروضة على الوصول إلى المنطقة (ج) وعلى حركة الإنتاج فيها تُكبِّد الاقتصاد الفلسطيني‎ 3.4 ‎مليار دولار. فضلاً عن ‏تعيق الاجراءات الاسرائيلية وسيطرة المستوطنين القيود الصارمة المفروضة على الوصول إلى المناجم والمحاجر في المنطقة (ج) ‏قدرةَ الفلسطينيين أيضًا على استخراج الحصى والحجارة. وفي المجموع أن سيطرة إسرائيل تطال حتى المجال الكهرومغناطيسي ‏الفلسطيني – بمساهمة من المستوطنات – ممّا يتسبب في خسائر تتراوح بين 80 و100 مليون دولار سنويًا لمشغلي الاتصالات ‏الفلسطينيين‎.‎‏ ‏
ولكي نتمكن من استعادة عقارب الساعة فلسطينياً علينا أن نبدأ من داخل بيتنا علينا أن نقوم بضبط تلك العقارب من الدقائق والثواني، ‏والاستعانة بالمنبه الذي سينبهنا أن إستمرار النزيف الإستيطاني سيؤدي الى دمار للإقتصاد الفلسطيني وربط الاقتصاد مع الإقتصاد ‏الإسرائيلي، وسنصبج إقتصاد الشيكل ، وفي هذا السياق أقدم إقتراحين:- ‏
الأول:- ‏ ‎ووقف فوري لاستيراد الـمنتجات من الـمستوطنات يشجع الـمنتجات الوطنية، وهذا بدوره يؤدي إلى توفير عشرات الآف ‏فرص العمل.‏
الثاني:- العمل على تبني استراتيجية وطنية تضمن للعمال أماكن بديلة إما بالاراضي الزراعية او بتوفير مصانع أو أماكن عمل ‏مناسبة ، وتأطير العمل الجماهيري نحو توعية القطاعات كافة على مخاطر الشراء من منتجات المستوطنات ، بالاضافة الى حملة ‏دولية لتعرية الشركات العاملة داخل المستوطنات دولياً. ‏