انضم الأسير المحرر عبدالهادي فخري يوسف نزال لقوافل الشهداء، وبينهم كوكبة من أبناء عائلته وأقاربه، منهم عمه الشهيد خالد نزال القيادي في الجبهة الديمقراطية، وكان كثيرًا ما يتمنى اللحاق بهم شهيدًا – كما تقول والدته في حديث لـ “القدس” دوت كوم، بعد لحظات من وداعه لآخر مرة داخل المنزل الذي احتضنه في بلدة قباطية جنوب جنين.
وتقول نزال عن نجلها “تمتع بروح وطنية ونضالية عالية، وتميز بحبه لوطنه وعشقه للقدس وفلسطين، ودومًا يحب سماع قصص أقاربنا الشهداء ويطلب الشهادة، وعندما كنت أقول له: بدنا نفرح فيك ونشوفك عريس، كان يرفض ويقول لي: ما تستعجلي راح تفرحي ويكون لي عرس كبير .. لم أكن أعلم، أن العرس بالنسبة له الشهادة، فقد رحل مبكرًا .. قاوم وحظي بالشهادة مشتبكًا وحقق وعده لي، فكانت لحظة تشييع جثمانه عرس وطني كبير”.
وأشارت والدته إلى أن عبدالهادي لم يكمل تعليمه لمساعدة والدته في إعالة الأسرة المكونة من 6 أفراد، وذلك رغم صغر سنه، إلا أنه تميز بأخلاقه وحظي باحترام الجميع، مشيرةً إلى أنه تحرر من سجون الاحتلال قبل 6 أشهر.
يروي رفاق عبدالهادي لمراسل “القدس” دوت كوم، أنه بمقدار هدوءه وطيبته وتعامله مع الناس وأصدقاءه، كان شديد الكراهية للاحتلال، وتميز بروح الشجاعة والإقدام والبطولة قبل وخلال اعتقاله وبعد تحرره، وقد انتسب مؤخرًا وبشكل سري لكتيبة قباطية التابعة لسرايا القدس، وشارك في لجان الحراسة والمقاومة، ويتقدم الصفوف خلال الاشتباكات المسلحة ، فقد امتشق السلاح وشارك في جميع معارك قباطية، التي كان آخرها مساء الخميس الماضي.
تقول والدته عن آخر اللحظات قبيل استشهاده، “وصل للمنزل وتناول الطعام، وفجأة ارتدى ملابسه وخرج مسرعًا دون أن نعلم السبب، ليتبين لاحقًا أنه سارع للخروج عند سماعه باقتحام الاحتلال لقباطية، ولم يتركني ألاحظ لخوفه على مشاعري وصحتي وحتى لا اعترضه”.
في ذاك الوقت، كانت وحدات المستعربين الخاصة تتسلل إلى البلدة، وسارعت لإطلاق النار بشكل مباشر ودون سبب نحو منزل عائلة المواطن علي عبدالرحمن كميل، حيث كان يتواجد عدد من أفراد أسرته في ساحة المنزل، فيما كانت فرق القناصة قد تسللت للعمارات المجاورة للتغطية على الهجوم، والذي تزامن مع اقتحام أكثر من 30 دورية عسكرية.
خلال العملية، أصيب الشاب حبيب الله محمد كميل (27 عامًا)، بعيار ناري متفجر اخترق الرأس وأدى لانفجار الدماغ، وبعدما منع الاحتلال سيارات الإسعاف من الوصول للموقع واغاثة الجريح الذي بقي ينزف لمدة نصف ساعة حتى نقل بسيارة محلية لمجمع قباطية الطبي ثم مشفى الرازي في جنين، لكن الأطباء أعلنوا أنه فارق الحياة قبل وصوله.
ومع انتشار نبأ العملية، هب المقاومون وبينهم عبدالهادي نزال، ليخوضوا اشتباكات عنيفة مع قوات الاحتلال، ويقول رفاق الشهيد: “خبر استشهاد حبيب، أثار غضب الجميع، وفي ظل استمرار العملية، اندلعت الاشتباكات المسلحة، وتقدم عبد الهادي الصفوف، وخلال اشتباكه مع الاحتلال أصيب بعيار ناري في الصدر أدى لتدمير الرئة”.
وبحسب مدير مشفى الرازي الدكتور فواز حماد، فإن طواقم الأطباء كافحت لانقاذ حياته، لكنه استشهد لأن العيار ناري من نوع دمدم انفجر في صدره ومزق الرئة.
عند لحظة إصابة عبدالهادي، شعرت والدته بأن مكروهًا أصاب نجلها، وقلبها كان يخفق بسرعة وشعرت بحالة من التوتر خاصة مع سماعها لأصوات إطلاق النار بكثافة، فاضطرت للخروج إلى الشارع تسأل عنه، حتى أبلغت بإصابته، لكنها أبلغتهم باستشهاده قبل الإعلان عن ذلك.
وتقول: “قلبي الذي يحبه ويعشقه شعر باصابته ووجعه، وربي صبرني عندما وصلني خبر استشهاده، فقد لحق بخاله الشهيد والذي حمل اسمه، وانضم لشهداء العائلة .. نحن منذ سنوات ندفع الضريبة الغالية ونقدم الشهيد تلو الآخر، وكلنا فخر واعتزاز بهم”.
في لحظات الوداع الأخيرة، ألقت الوالدة إيمان جسدها فوق جثمان حبيب قلبها، وقبلته وعانقته وهي تقاوم أحزانها ودموعها، وتقول: “كرمني رب العالمين بالصبر، وعندما شاهدته محمولاً تذكرت كلماته عن الشهادة وعرسه، ولم أصدق أنه تركني، كنت أشاهده وكأنه نائمًا وكان مبتسمًا .. قاومت وجعي واقتربت منه، قبلته وودعته وقلت له: مع السلامة يا روحي وقلبي راضي عنك وعليك”.
أما شقيقته أسيل، فأصرت على مرافقته حتى آخر لحظة من خروجه، تارة تطلق الأهازيج وأخرى تبكي بحسرة ولوعة، ثم رفعت أيديها للسماء وهي تودعه، وقالت بكلماتها البسيطة: “حسبي الله ونعم الوكيل على اليهود وأعوانهم اللي أخذوك منا بسرعة .. مع السلامة يا أخي فقد ربحت البيع، الله يرضى عليك ويكرمك بجنات النعيم، سلم على الشهداء يا حبيبي وياريتك اخذتني معك”.