في الوقت الذي وقعت بلدان عربية عدة، من الشرق الأوسط، تحت نير الحروب، لسنوات، أصبحت ساحة للفساد، ومرتعا للمرتشين من مختلف المواقع.
تأكيدا لهذا المشهد، قال تقرير لمجلة “ناشيونال ريفيو” إن وجود الفساد في الشرق الأوسط لم يعد سرا، بل أصبح مسلّما به على نطاق واسع، حيث أصبح يشكل عائقا رئيسيا أمام التقدم الاقتصادي والسياسي للمنطقة.
التقرير رصد أمثلة عديدة من بلدان عاشت نزاعات مسلحة خلال العشرية السابقة، مثل سوريا والعراق.
“القاعدة وليس الاستثناء”
يقول أحد العاملين المحليين في منظمة غير حكومية تنشط في سوريا، قام شخصيا بتأسيسها، إنه فكر في التحايل والغش في الإيصالات، نظرا لعدم وجود أية آلية للبحث والمراقبة، بل عرض عليه العديد من المتعاملين تزوير قيمة المشتريات الموجهة لمساعدة الأهالي “حتى يربح قسطا من المال”.
ولدى سرده للقصة، قال “ضحكت للسؤال لكن لم أتفاجأ، كنت قد اشتريت للتو منتجات زراعية مصنّعة بقيمة 1500 دولار أميركي مباشرةً من المصنع لصالح منظمة غير حكومية صغيرة أديرها في شمال شرق سوريا”.
الرجل الذي تحدث للمجلة دون الكشف عن هويته اعترف أن فكرة مضاعفة الرقم الذي دفعه راودته وقال “فكرت في الأمر حتى أجمع مزيدا من المال لأضخه مجددا في خزينة المنظمة التي أدير” قبل أن يستدرك “لو كنت موظفًا في منظمة غير حكومية دولية كبيرة نادراً ما سافرت إدارتها إلى سوريا، لكانت تلك فرصة عظيمة لي لكسب بضع مئات من الدولارات”.
من جانبه، يقول كاتب التقرير إنه روى هذه القصة لعامل في منظمة غير حكومية دولية وأكد له الظاهرة وقال له إن “الفساد بين موظفيهم المحليين هو القاعدة وليس الاستثناء”.
ملايين الدولارات
تتدفق ملايين الدولارات إلى شمال شرق سوريا عبر عشرات المنظمات غير الحكومية الدولية والمحلية لتمويل مخيمات النازحين ومشاريع البنى التحتية ومبادرات التعليم والصحة والاحتياجات الأخرى. وتكاد تكون الرقابة مستحيلة، على الرغم من الضوابط العديدة التي تهدف إلى منع الفساد أو المحسوبية.
وتأتي إدارة هذه المنظمات غير الحكومية من مجموعة من الدول الغربية في الغالب، وإذا قاموا بزيارة سوريا، فإن تحركاتهم تكون مقيدة بشدة، وعادة ما تكون محصورة في مجمع أو فيلا، مما يسمح بتفاعل محدود مع المجتمع الأوسع.
كما أن قلة منهم يتحدثون العربية أو الكردية أو السريانية أو أي لغة أخرى مستخدمة في شمال شرق سوريا، وليس لديهم سوى القليل من المعلومات بخلاف ما يقال لهم من قبل موظفيهم المحليين.
يعقب التقرير بالقول “لا يعني هذا بالتأكيد أن الموظفين الغربيين ليسوا متورطين في الفساد، أو لن يكونوا كذلك لو استطاعوا ذلك، وبالتأكيد ليس المقصود القول إن جميع الموظفين السوريين كذلك”.
“مو رجّال يلي ما يبوق”
يقول كاتب التقرير إنه قابل الكثير من الموظفين المتفانين والصادقين في المنظمات غير الحكومية الدولية “لكن القبول المجتمعي للفساد في سوريا بشكل عام يعني أنه من السهل للغاية العمل ما يروق لهم بعيدا عن أعين إدارتهم وإيجاد مخطط لكسب أموال إضافية من منظمتهم غير الحكومية.
ويمكن أن يشمل الفساد تغيير الإيصالات، والمحسوبية عند عرض فرص العمل، أو توجيه أموال المساعدة إلى الأقارب أو الأصدقاء.
“هذه الأمور ليس من الضروري أن تكون سرية تمامًا، نظرًا لمدى قبولها” يقول الصحفي.
وفي شمال شرق سوريا، هناك قول سائد: من لا يسرق ليس رجلاً حقيقياً (مو رجال يلي ما يبوق).
لذلك، “من الصعب محاربة الفساد عندما تكون هذه العقلية، رغم عدم مشاركتها مع الجميع، لكنها تبقى الأمر جزءً من الحياة اليومية.” يؤكد التقرير مجددا.
العراق
لا تقتصر الظاهرة على سوريا فقط، إذ ورغم أن رئيس الوزراء العراقي الجديد، محمد شياع السوداني، أعلن عن سلسلة من الإجراءات التي تهدف إلى مكافحة الفساد خلال خطابه الأول أمام البرلمان بعد توليه منصبه أكتوبر 2022، إلا أن محاربة الفساد المستشري في البلاد لا تبدو سهلة.
وتكثر التقارير الصادرة عن مراكز الفكر والأكاديميين حول الفساد. وفي حين أن هذه الأنواع من التقارير تأتي لكشف مكامن الفساد، إلا أنه عادة ما يتم تهميشها لصالح حلول تقنية تتضمن نفس الأنظمة لكن محسنة شيئا ما.
هذه الأنظمة، التي من المرجح أن تقلل من الفساد على مستوى الموظفين، “لكنها ببساطة تعيد توجيه الفساد إلى قنوات أكثر كفاءة لاستغلالها من قبل أولئك الذين في القمة” وفق التقرير.
في الصدد، لفت التقرير لما كتبه عالم الاجتماع العراقي علي الوردي، عن العراقيين في الخمسينيات من القرن الماضي قائلا إن “كل واحد منا ينتقد الآخرين، وينسب هلاك الأمة لهم، متناسياً أنه ساهم في هذا الدمار العام سواء على نطاق واسع أو صغير”.
عمل مربح
وأصبح العمل مع منظمة غير حكومية دولية أو تلك الممولة دوليًا هو الاختيار المهني الأكثر ربحًا الذي يمكن لأي شخص في شمال شرق سوريا القيام به.
في عام 2020، قالت دراسة استقصائية للمنظمات غير الحكومية الدولية إن العديد من الموظفين كانوا يكسبون أكثر من 1000 دولار شهريًا، مقارنةً بالرواتب الحكومية في الشمال الشرقي، والتي تحوم حول 150 دولارًا.
في الآونة الأخيرة، أصبح بعض الموظفين المحليين يتقاضون 2000 دولار شهريًا، يؤكد الصحفي كاتب التقرير.
لذلك، يرى الكاتب أنه من الصعب محاربة الفساد في الشرق الأوسط، طالما أنه مستشر بهذه القوة.
ويمزق الفساد العديد من البلدان في الشرق الأوسط، وهذه القضية بحاجة ماسة إلى مواجهة، “لكن اللغز هو أن الأمر يكاد يكون من المستحيل، لأنه من الظلم مقاضاة أو معاقبة شخص ما على الفساد عندما يفعل الآخرون ذلك أيضًا” وفقه التقرير ذاته.