نشر وزير المالية الإسرائيلية والوزير في وزارة الأمن، بتسلئيل سموتريتش، في أيلول/سبتمبر العام 2017، وكان حينها عضو كنيست جديد نسبيا، “خطة الحسم” التي يعتبر أن تطبيقها سيُنهي الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، من خلال محو الخط الأخضر.
وتستند هذه الخطة إلى أن حل الدولتين ليس واقعيا ولن يُطبق أبد؛ المشروع الصهيوني هو الأكثر عدلا وأخلاقية خلال مئات السنين الأخيرة؛ ومقولة إنه لا يمكن قمع التطلعات العربية لتعبير قومي في “أرض إسرائيل” ليست صحيحة.
وتقضي المرحلة الأولى في الخطة إلى إنشاء “وعيٍ” بأن حق تقرير المصير في المنطقة الواقعة غربي نهر الأردن هو لليهود فقط. وكتب سموتريتش في خطته أن دولة عربية لن تقام في “قلب أرض إسرائيل” وأن “عدم تطبيق هذا الحلم يقلص المحفزات لتطبيقه وكذلك يقلص الإرهاب”.
ويعتبر أن إنشاء هذا “الوعي” يجب أن يرسخ بإعلان، يشكل “مقولة إسرائيلية قاطعة للعرب والعالم كله بأنه لن تقام دولة فلسطينية”، وكذلك من خلال أفعال، مثل فرض “سيادة إسرائيل” في الضفة الغربية، وبخاصة من خلال توسيع الاستيطان، بادعاء أن من شأن ذلك أن “يكوي وعي العرب والعالم كله بأنه لا يوجد أي احتمال لإقامة دولة عربية في أرض إسرائيل”.
وفي المرحلة الثانية من “خطة الحسم” يتم تخيير الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس المحتلتين: “بإمكان من يريد وقادر على التنازل عن تطلعاته القومية أن يبقى هنا والعيش كفرد في الدولة اليهودية…” لكن ليس كمواطنين. “ومن لا يريد أو ليس قادرا على التنازل عن تطلعاته القومية، سيحصل منا على مساعدة من أجل الهجرة إلى الدول العربية العديدة التي بإمكان العرب أن يحققوا فيها تطلعاتهم القومية، أو إلى أي وجهة أخرى في العالم”.
وأضاف سموتريتش في خطته أنه “سيكون هناك من سيصرون على اختيار ’خيار’ ثالث، أي الاستمرار في ممارسة العنف تجاه الجيش الإسرائيلي، دولة إسرائيل والسكان اليهود. ومخربون كهؤلاء ستتعامل قوات الأمن معهم بحزم، بقوة كبيرة التي نمارسها الآن، وبشروط مريحة أكثر بالنسبة لنا”.
ويتوقع سموتريتش أن تقابل خطته بمعارضة شديدة في فلسطين والعالم. “ربما سيكون من الصعب هضم خطة الحسم في البداية، لكن المنطق الكبير الذي تتضمنه، مثل كونها ضرورية وحتمية، سيؤدي في نهاية المطاف إلى تبنيها من جانب المجتمع الإسرائيلي والمجتمع الدولي”.
ويتابع أنه “بالإمكان فرض السيادة الإسرائيلية على جميع مناطق يهودا والسامرة من دون منح العرب القاطنين فيها حقوق التصويت للكنيست منذ اليوم الأول، وستبقى (إسرائيل) ديمقراطية”، معتبرا أن “هذا ليس أبارتهايد، وإنما عنصر ناقص في سلة الحريات”.
منذ نشر هذه الخطة، انتقل سموتريتش من عضو كنيست هامشي إلى زعيم حزب ووزير هام. ولا يزال يتمسك بـ”خطة الحسم”. وبعد أن دعا إلى “محو حوارة من الوجود”، خلال مؤتمر عقدته صحيفة “ذي ماركر”، قبل أسبوعين، قال سموتريتش في المؤتمر نفسه إنه “يؤيد استخدام القوة” ضد الفلسطينيين ودعا إلى البحث في جوجل عن دراسة أعدها حول سياسته تجاه الفلسطينيين. وقال: “ابحث عن ’خطة الحسم’”.
ونقلت صحيفة “يديعوت أحرونوت” اليوم، الجمعة، عن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الأسبق، غادي آيزنكوت، قوله إنه “إذا كانت هذه خطة الرجل الأكثر تأثيرا في الحكومة الإسرائيلية الآن، فإن وضعنا سيء. فحلم سموتريتش هو كارثة للمشروع الصهيوني وخطر على مستقبل الدولة كدولة يهودية، ديمقراطية، تقدمية ومتساوية بروح وثيقة الاستقلال”.
وأضاف آيزنكوت أن “المشكلة ليست سموتريتش الذي يمثل 10% من الجمهور الإسرائيلي الذي يؤيد رؤية الدولة الواحدة. المشكلة هي مع الحزب الحاكم ومع نتنياهو، الذين جلبونا إلى وضع فيه الهوامش المتطرفة تقود الدولة إلى مكان مدمر. ونمت هذه الخطة على خلفية غياب إستراتيجية إسرائيلية في الحلبة الفلسطينية طوال سنين. وإذا كنا لا نتخذ قرار فهذا قرار، يستغله أشخاص متطرفون وحازمون”.
وقال الرئيس السابق للدائرة الأمنية – السياسية في وزارة الأمن، عاموس غلعاد، إن “هذه خطة خطيرة، لأنها ستغير طبيعة إسرائيل بشكل لا يمكن إصلاحه. وانشغلت طوال حياتي بتهديدات على الدولة، وخطة الحسم هي أحدها”.
وعقب رئيس الشاباك الأسبق، يورام كوهين، على الخطة بالقول إنه “عارضت الحل الذي يوصف بـ’دولتين للشعبين’ بسبب الضعف الأمني والأدائي للسلطة الفلسطينية. وفي جميع الأحوال هذا الحل ليس واقعيا في العقد القريب على الأقل. لكني أعارض أيضا فكرة الدولة الواحدة للشعبين، لأن معنى ذلك هو أن يكون داخل حدود إسرائيل سبعة ملايين يهودي وخمسة ملايين عربي – فلسطيني. ودولة ثنائية القومية كهذه ستلحق ضررا شديدا بالحلم الصهيوني. وهي لن تكون يهودية واضحة وليست ديمقراطية حقيقية”.
وأضاف كوهين أن الفلسطينيين لن يوافقوا على خطة سموتريتش أبدا. “الاحتمال الأكبر هو اندلاع عنف واسع من جانبهم. وخطوة كهذه ستؤدي إلى قطع العلاقات مع دول عربية في الشرق الأوسط ولانتقادات شديدة وربما عقوبات من جانب دول كثيرة في العالم، وبضمنها دول صديقة لإسرائيل. وعلى الحكومة أن تتيقن من أنه في منصبه الحالي كوزير في وزارة الأمن، لا ينفذ سموتريتش خطوات هادئة ولا يمكن تصحيحها من أجل تحقيق رؤيته”.
إلا أن سموتريتش بدأ فعلا بتطبيق رؤيته. فقد تم تعيين سموتريتش وزيرا في وزارة الأمن ومسؤولا عن “مديرية الاستيطان”، وعين مدير عام الكتلة الاستيطانية “بنيامين” السابق، يهودا إلياهو، رئيسا لهذه الدائرة. وتسمح هذه المديرية لسموتريتش بالسيطرة الفعلية على وحدتي “منسق أعمال الحكومة في المناطق (المحتلة)” و”الإدارة المدنية”، وهما تقرران كل ما يتعلق بمجال التخطيط والبناء.
ونقلت الصحيفة عن مصدر في وزارة الأمن قوله إنه “إذا أخذوا من سموتريتش منصبه في وزارة الأمن بسبب تصريحات أخرى مثل ’محو حوارة’ أو خلاف مع نتنياهو، فإنه سيفكك الحكومة دون أي تردد”.
وشدد مصدر آخر في وزارة الأمن على أن سموتريتش يستخدم منصبه كوزير المالية من أجل تعزيز منصبه في وزارة الأمن. “وبعد أن وقع سموتريتس وغالانت (وزير الأمن يوآف غالانت) على اتفاق تقاسم الصلاحيات بينهما، وقّعت وزارة المالية على اتفاق مع وزارة الأمن من أجل زيادة ميزانية الأمن. ولا يمكن نفي العلاقة بين الأمرين”.
وأشار غلعاد، وهو منسق أعمال الحكومة السابق في المناطق المحتلة، إلى أنه “عندما تخرج الإدارة المدنية من جهاز الأمن، فإنك تحولها إلى أداة لتطبيق رؤية سموتريتش الخطيرة جدا. وسيكون بإمكانه أن يوعز لهم بعدم إنفاذ القانون ضد الاستيطان اليهودي غير القانوني (أي البؤر الاستيطانية العشوائية)، ومن هنا وحتى تكرار أحداث حوارة تصبح الطريق قصيرة”.