رصاص المستعربين أعدم الطفل عمر عوادين وحول حياة أسرته لمعاناة ووجع أبدي

خلال مشاركته لأسرته تأدية العمرة في الديار الحجازية، طلب الصغير عمر محمد عوادين 14 عاماً، من والدته الدعاء له قرب الكعبة، فقالت متضرعة: “رب العالمين يوفقك ويهديك ويعطيك كل ما تتمنى”، فابتسم وخطابها قائلاً: “و ادعي لي بالشهادة”، فارتقى شهيداً برصاصة غادرة من وحدات الاحتلال الخاصة بعد حوالي ثلاثة أسابيع من عودته للعمرة، مما شكل صدمة كبيرة لعائلته وخاصة والديه، كونه وحيدهم بعد فاجعة وفاة طفلته قبل عامين ونصف.

صور ومواقف، استعادها الوالد المكلوم محمد عوادين، في منزله بمدينة جنين، خلال حديثه لــ”القدس” دوت كوم، مع حلول شهر رمضان المبارك، في غياب وحيده وحبيب قلبه عمره، مما أثار مشاعر حزن مؤلمة وأوجاع تتزايد منذ بداية الشهر، فقبل استشهاده، كما يروي والده أبلغه عمر، “أنه بدأ بالتوفير من مصروفه الشخصي، للتحضير لشراء بعض احتياجات ولوازم رمضان كما اعتاد دوماً، وللمشاركة في توفير لوازم الزينة الجميلة والمبهجة لمنزلنا، لكن رصاصهم الغادر، حكم عليه بالإعدام، سرق كل حياتنا التي يشكلها عمر، ونغص أفراحنا للأبد، فلن يعوضنا عنه أحد”.

يقاوم الوالد عوادين، دموعه وأحزانه وحسرته الكبيرة، خاصة في الأيام الفضيلة التي فتحت جراحه، وقال: “أجواء رمضان اختلفت في حياتنا عائلتنا اليوم عن العام الماضي في ظل غياب حبيبنا وفلذة كبدنا عمر، فقد اختفت الفرحة والبهجة في منزلنا، ففي العام الماضي، كان عمر متواجد معنا، ويستعد لرمضان ويجهز للزينة، ويحضر لتوفير أجواء أجمل في رمضانه معنا وكذلك أصحابه وأصدقاؤه”.

ويضيف: “رغم صغر سنه، حرص دوماً على تأدية الشعائر الدينية وصلاة التراويح في رمضان، وكان يدا بيد يساعد والدته في تحضير مائدة رمضان، لذلك نفتقده وكل كلمات العالم لن تعبر عن مدى الكارثة والمأساة التي حلت في حياتنا للأبد”.

يتذكر عوادين، أجواء الفرح التي حلت بأسرته عندما رزق بعمر، باكورة أبناء أسرته المكونة من 3 أفراد، ويقول: “عندما أبصر النور، نور حياتنا وأنارها، وحظي بحب ومحبة كبيرة، كونه الأول لنا والحفيد الأول لعائلته التي دللته وكلما كبر، تعززت مكانته ومحبته، لما تميز به من أخلاق وأدب وعلاقات واسعة حتى كان معروف ومميز لدى الكبار والصغار”.

ويضيف: “تعلم في مدرسة حطين بمدينة جنين، وكان متفوقاً ومحباً للدراسة، ودوماً نخطط لمستقبله وحياة ناجحة ومستقرة، ورسخت فيه قيم الوفاء والعطاء والعمل، وحرصت على أن يتعلم بشكل تدريجي مجال عملي في مركز المتخصص في الأجهزة الطبية والأدوات المساعدة في جنين”.

ويكمل: “رغم صغره، حرص دوماً على حفظ القران الكريم، و كان بار بالوالدين، ويحرص على مساعدتي في كافة مجالاتي عملي وتحمل المسؤولية”.

في كل لحظة منذ استشهاده، تزداد أوجاع الوالدين عوادين، بعد الفاجعة الكبرى، فقد ارتبط عمر، بعلاقة وطيدة معهما، ويقول والده: “تميزت علاقتنا، ولطالما اعتبرته الأخ والصديق بكل معنى الكلمة، وربيته على الصدق والصراحة والنقاش في كافة المواضيع، ومشاورتي في كافة نواحي حياته، لإرشاده وتوجيهه للطريق الصواب والسليم”.

ويضيف: “كذلك والدته ريهام، منحته كل الحنان وحرصت دوماً على رعايته وبناء شخصيته، فكانت علاقتهما قوية جداً، ويحرص على مساعدتها والاتصال بها قبل عودته للمنزل، لسؤالها عن احتياجاتها وتوفيرها، لقد كبر قبل أوانه، ودوماً افتخرنا به”.

ترتسم معالم الحزن والألم، على محيا الوالد عوادين، لحظة استعادة ذكريات يوم استشهاده، يوم الخميس الموافق 16/ 3/ 2023، خلال جريمة الوحدات الخاصة التي اغتالت المقاومين نضال أمين الخازم ويوسف شريم، ويقول: “قبيل الظهر، اتصلت مع عمر وطلبت من الحضور لمساعدتي في توزيع وإيصال الأجهزة والمعدات لبعض المؤسسات في جنين، بعد اتمامه المهمة، اتصل بي وأبلغني أنه سيعود للمنزل، لكن التقتيه بعد ذلك، وأبلغته بذهابي لفرعنا الثاني”.

ويكمل: “بين إصابة عمر برصاص المستعربين وحديثي معه، مرت دقيقة واحدة، فقد استقليت مركبتي وتوجهت لمعرضنا، ولا أدري لماذا عاودت الاتصال معه وكان يقود دراجته متوجها لمعرضنا الأول في شارع أبو بكر، خاصة عندما سمعت صوت إطلاق نار، وكأني شعرت بأن مكروهاً ما سيحصل به”.

في هذا الوقت، كانت وحدات المستعربين، تسللت للمنطقة بزي مدني بواسطة مركبة تحمل لوحة ترخيص فلسطينية، وفجأة ظهر المستعربين المدججين بالسلاح، وأطلقوا النار نحو المقاوم نضال الخازم خلال قيادته دراجته النارية، ورغم وقوعه أرضاً، تقدموا منه وأعدموه من نقطة صفر، بينما لاحقوا زميله المناضل شريم، وتمكنوا من اغتياله، وعندما اكتشف أهالي جنين الجريمة، اندلعت المواجهات وبدأت الجماهير الغاضبة بمهاجمتهم، فأطلقوا النار بشكل جنوني، وكان عمر يمر على دراجته الهوائية متوجها لمعرض والده، فأصابه رصاصهم، ووقع على الارض مضرجاً بالدماء، وسرعان ما أعلن الاطباء استشهاده.

يقول عوادين: “كل ذلك حدث بسرعة، وبعد ثلاثة دقائق من أخر مكالمة مع ابني، علمت بجريمة الوحدات الخاصة، ولقرب الموقع من معرضي، شعرت بقلق على عمر، وسارعت للاتصال به، وعندما لم يرد، اتصلت مع عمه، فقد انتابني خوف داخلي جعلني أشعر بهلع ورعب”.

ويضيف: “سرعان ما أبلغني أخي، بإصابة عمر برصاص المستعربين الذي انهمر على المارة في الشوارع، فأصاب طفلي البريء الذي لم يرتكب أي شيء، لم يكن مسلحاً وحتى لم يحمل حجر، فهو طفل مسالم، ويتعلم بمدرسته وصاحب طموح وأحلام”.

ويتابع: “عندما وصلني الخبر، شعرت بنكسة ودخلت في متاهة كبيرة، وفقدت السيطرة على نفسي ولم أعلم ماذا سأفعل من هول الصدمة التي لم أتوقعها يوماً، ولكن دائما نقول الحكم لرب العالمين في مصابنا، والله سيصبرنا وله جنات النعيم ان شاء الله”.

عندما شاهد طفله ممداً لجانب الشهداء الثلاثة الذين اغتالتهم وحدات المستغربين، وقف الوالد عوادين، في حالة صدمة افقدته القدرة على الكلام، عندما اكتشف أنه فارق الحياة شهيداً.

ويضيف: “بدت ملامح عمر وكأن نائم ببراءة، وتكررت الصدمة، وعشت أصعب موقف بحياتي، عندما القينا نظرة الوداع الأخيرة، تذكرت مواقفه وضحكاته وأمنياته وأحلامه كطفل يحب الحياة، ولكن رصاصات الاحتلال قتلت احلامه و كل شيئ جميل كان يحبه عمر، ولكن إن شاء ستحقق امنياته ونلتقيه في جنات النعيم”.

ويكمل: “دوماً كان عمر رغم صغره، يشارك في مسيرات تشييع الشهداء، ويحرص على متابعة شبكات التواصل لمعرفة أخبار واحداث جنين، ومرات عديدة، طلب منا الدعاء له بالشهادة، فكرمها رب العالمين بها”.

ويتابع: “يجب على العالم أن يتوقف عن الصمت ومحاكمة الاحتلال على جرائمه بحق شعبنا، التي لا تميز بين كبير وشاب وامرأة وطفله، نحتسبه شهيداً، ككل أبطال فلسطين، ونسأل الله الصبر نحن وكل العائلات، فقد أصبح في كل بيت شهيد وجريح وأسير، تعبد تضحياتهم طريقنا نحو الحرية والخلاص من الاحتلال”.