رحلة في بنفسجيات الشاعرة نداء یونس

بقلم: الأسير هيثم جابر

نحن أمام شاعرة مميزة  امتلكت ناصية الشعر والكلمات ، بكل ما تعني هذه الكلمة من معنی ، ووقفت في صومعة الجسد ترسمه، وترتله تماماً كما يفعل الصوفيون تبرز معانيه ومفاتنه بكل تفاصيله ودقته تنحته بكل انحنائه وتضاريسه ، تتعرى وتجلس على رمال شاطئ القصيدة، تنتظر الأسماك الزرقاء كي تصطادها .

هي الجائعة للحب والعشق والغزل، وهي النهر الذي يمنح الرجولة العنفوان، واشعال النار في الامواج المبللة بالعرق واللهاث، ليس غريباً أن يعتبرها الأديب المتوكل طه – صوفية الجسد. امتزج دمها بالنرجس فصار منفى، إنها حقاً صوفية تتناول الجسد كما تناوله الفنان التشكيلي الفلسطيني الحلاج في لوحاته الأبداعية المذهلة.

امتلكت الرموز قصار الجسد حروف اللغات المتجددة في قصائد ليلها البنفسجي، وصارت نداء يونس هي بدايات الاغراء وتفاحة القصيدة التي أغوت الشعر للأكل من رموز قصيدتها ، فخصفت تعطي أناشيدها برمان الأنثى الذي يشرق كل صباح في جنة الحروف والمرادفات الحرة الطليقة الجريئة، التي تمتلك نداء يونس ناصيتها فتشتري لها أفخم فساتين الحب وملابس الأغراء القاتلة .. تتمدد كل ليلة على صفاف النهر ترتدي ما تشاء تخوض البحر لا تخاف أسماك القرش والحيتان المهاجرة خلف لغة ” ض ” ، وصمت الغابات الموحشة .

عندما تكتب عن نداء يونس فأنت بحاجة إلى معجم خاص بك ومعجم خاصة بها ، وبحاجة الى

قصيدة مشتركة عارية لها مذاق التوت والكرز.

 

انت بحاجة الى محراب جسد رسمته في قصائدها الغابرة وفككت رموزه في قصائدها الحديثة الثائرة … كي تؤدي تراتيلك وطقوسك العشقية مع الحروف المثيرة.

نداء يونس هي قصيدة جميلة أتقنت الحجل ورقصة الدراويش وتجليات  الرومي وعشقيات الشيرازي … نداء یونس جلست فوق رمال الشواطئ الزرقاء تأخذ حمامها الشمسي امام اسماك القرش وقناديل البحر الحارقة

في الصباح وفي مساء ارتدت سبع قصائد سمان ووقفت تأم المصلين ، تهز جذع النخلة أمام الشاعرات والأدباء ، فتغني لها القصائد و دواوين الشعراء القدماء ، تنبذ جسد الكسل والرتابة مكاناً قصيا لا يستطيع هذا المنهك مواجهة الضوء والشعر وعنفوان الجسد الملتهب في محراب الشعر.

كلما وقفت نداء يونس وألقت عليهم بعض نصوصها ، انتقض نهد النخيل و تمايل خصر السنابل فوق الدفتر الملتحف نخيل العراق،المسافر في عراقة الأهرامات، وأصالة الشام. يمر الشعر في شوارع مدن نداء يونس الحالمة، يلقي السلام على سور الحب في اسفاره الأولى يجلس عند ركبتيها يستمع لخطبة عصماء من خطبها العشقية نداء يونس نسجت القصائد حول جسد الانوثة فأبدعت ولبست ملابس البحر المغرية فأبدعت ففرحت لها الأمواج الساحرة وانتشت نسائم الصبح المنعشة فوق عاجها ومرمرها.

وانت تقرأ نداء يونس لا بد لك ان تكون مررت ببركان يلقي بحمه على جوانب وأرصفة اللغات والقصائد المهترئة ، وأنت تقرأ نداء يونس في محراب الجسد الناري تلتحف ليال النبيذ المعتق باللذة والتاريخ لا بد أن تكون قد مررت بعشرات الأقمار والنجوم والكواكب الحزينة التي سارت في اعقابها على رمال شعراء الحداثة وبخور السومريون وعطر نيفرتيتي وحتشبوت و صابون شهرزاد وزيت ألف ليلة وليلة.. وانت تقرأ نداء يونس لابد لك أن تكون أصبحت خبيرا في فك شيفرة الانوثة الطاغية والجسد الناري الملتهب الذي غير ملامح النواة والذرة فتعرى تماماً بين كلماتها الطفولية المولودة للتو… تعرف أبجديه الماء . وظلال الضوء جيداً – ترقص تحت شرفة حرف ال “ض” تستظل تحت شمس اغنية كتبت هي من كلماتها ولحنتها لحناً مختلف ونوتات موسيقية ولدت للتو.. بين نهدين ففاضت حياة وضجيج سماوي.. وانت نقرأ نداء يونس يجب أن تتسلح بعدة قواميس ، وبعدة لغات، وتكون خبير أسلحة ذرية کی تؤول الخطأ كما أولته نداد يونس، وأن تكون ذاتك اكثر ، كما كانت نداء یونس، أولت كلماتها وكتبت نفسها فوق السطور دون خوف أو وجل كتبت الصمت وارتدت لباس البحر.

وجلست على شواطئ العالم بأسره تؤله كما تشاء أمام المارة وعيون الفضولين الذين تاهوا عن شواطئهم وفقدوا بوصلة البحار أمام فتنة نداء، وأمام رموزها الثائرة وجسدها البض الذي أعلن الثورة منذ زمن على العاج والمرمر … وأنت تقرأ نداء يونس لا بد أن تكون قد عرفت كيف كتبت” انائيل ” وكيف شربت من نبيذ الشعر الخرافي وخمر الأساطير القديمة، حتى أوقعت ألسيد “هو” في شباكها الذي ضل الطريق وبقي يعاني من الجوع والعطش طوال عمره … وانت تقرأ نداء يونس لا بد أن تدرك حجم النيران التي اشعلتها نداء في الأسرة.. التي عبرتها فاتحة مدن ألشعر القرمزية لا بد أن تكون فككت شيفرتها الشعريه، والعناصر الكيميائية التي اتحدت في شعرها فوق سرير الغيب والجسد.

لا بد أن تكون أدركت ما قالته عن حريرها وشوقها وعشقها وحرها وخوابيها وخفة جملها لا بد ان تكون عرفت كل المجانين والمشردين الفقراء والمغنين الجوالين والغارقين في نشوة الأفيون عند الرعشة الأولى فوق سرير معذب ينتظر شروق الشمس على أحر من قصيدة .

عندما تقرأ نداء يونس لابد انك ادركت حجم النيران التي اضرمتها الشاعرة في أسرة الخلفاء الأمويين والعباسيين ، وحررت ما لديهم من جواري واماء ، وحرضت مفاتنهن على التمرد على سيف ذكورة من خشب.

فلا شاعرة تستطيع أن تكتب كما كتبت نداء يونس ولا شاعرة اخرى تستطيع أن ترتدي ملابس البحر كما فعلت وتفعل نداء يونس في كل قصائدها.

لا تستطيع شاعرة أخرى ان تعري الجسد وترسم الانوثة بالكلمات والاساطير الخرافية كما فعلت نداء یونس، معظم الشاعرات اللواتي اكلن من زاد الخلفاء كتبين نفس القصيدة وحافظن على ذات الرتابة والملل. الا نداء يونس خلعت نعليها وملابسها التقليدية بالواد المقدس.

في حضارات الانوثة ومحافل الأغراء البنفسجي رقصت حافية القدمين وقفت في حمام البيت تدعك أغصانها المرمرية بالزيت و العطر الشامي، تزيل الأعشاب الصفراء عن جذع رخام النخيل الفارع.

في حمام البيت وقفت تعتد بكنوزها تفركها بالليمون وألشبة.. تزيل غيار السنين من مساماتها الجائعة.. تقف نداء يونس في الصلونات العامة والخاصة ، تكتب الشعر بشكل مختلف تعري الجسد ثم تكسوره مرة أخرى كيفما تشاء. وقتما تشاء في كل الامكنة التي تريد.

من حمام البيت حتى الشواطئ الزرقاء ، وبقيت القصيدة سيدة الموقف  والشعر سيد الموقف والأزمنة والأمكنه ، والحب هو القضية وبين القصيد ، لا يجرأ أن يغيب عن قصائد نداد يونس ….

هو الحاضر و الحضور كله، يختبئ خلف كلماتها وينام بين شراشف اسرتها فما على القاري إلا أن يقلب حجارة نصوصها فتجده ينام كقط اليف في شرفة وقتها .

الحب الذي بحجم كلماتها وورودها ، يختفي تارة خلف الجنون ثم يطل من ورد الخدود من سيمة الرمز و الاسطورة … في قبعة السحرة وحجارة الأبجدية الأولى لنداء يونس ليكون القصيدة الجديدة ويكتب السطر الأخير في الديوان القادم ..

.في الحقيقة الرحلة في بنفسجيات الشاعرة نداء يونس يحتاج لعدة لغات وعدة السنة والكثير من الأشرعه والحراب والأسلحة الثقيلة والخفيفة ، لأن الشاعر الحقيقي هو الذي يثير الزوابع والعواصف خلفه.. ويترك آلاف الجثث على أرصفة النص والقصيدة الثائرة كما تفعل المتميزة نداء يونس.