“دوما” قرية تواجه خطر التهجير القسري بالصمود والثبات على أراضيها

تخوض قرية دوما، الواقعة أقصى جنوب شرق محافظة نابلس، ملحمة البقاء والصمود في وجه الاحتلال الإسرائيلي ومستوطنيه، وسط سياسة هدم المنازل والمنشآت التي ينتهجها، فضلاً عن سيطرته على أراضيها الممتدة حتى الأغوار الفلسطينية وسرقتها لصالح توسيع وإقامة المزيد من المستوطنات والبؤر الاستيطانية والقواعد العسكرية.

استهداف متكرر ،،

وبين الحين والآخر، يستهدف الاحتلال هذه القرية في عملياته المتواصلة لرصد وتتبع تحركات المواطنين وأنشطتهم الزراعية والعمرانية، حيث قام مؤخراً بتوزيع خمسين اخطاراً بالهدم وإعادة الأراضي إلى ما كانت عليه بعد عناء ومشقة أصحابها الذين يبذلون قصارى جهدهم وينفقون أموالهم من أجل استصلاحها وتعميرها.

وهذه ليست المرة الأولى التي يتلقى فيها المواطنون اخطارات بالهدم ووقف البناء، حيث أن مجموع الإنذارات السابقة وصلت لأكثر من (150) اخطاراً، وفقا لما قاله رئيس المجلس القروي سليمان دوابشة.

وأضاف، دوابشة، خلال حديثه لـ”القدس” دوت كوم: “طالت عمليات الهدم أيضا مسجداً في تجمع عرب شقارة الذي يسكنه 80 شخصاً من البدو والمهتمين بتربية الثروة الحيوانية، بالإضافة إلى غرف زراعية تشكل مصدراً للعيش لدى العديد من المزارعين، عدا عن تخريب البنى التحتية من شبكات المياه والكهرباء وتجريف الطرق الزراعية أيضاً”.

التهجير يتربص بالسكان ،،

وتتعرض التجمعات البدوية في القرية لخطر التهجير والترحيل القسري، فيعيش ساكنوها حالات من الذعر والترقب المستمر خشية من قيام الاحتلال بهدم بيوتهم وطردهم منها في أي لحظة، حيث يقطن دوما أربعة تجمعات منذ عشرات السنين وتحصل جميعها على كافة الخدمات الأساسية من التعليم والصحة والكهرباء والمياه وطرق، والتي يزودهم بها المجلس القروي كما باقي أهالي القرية.

وعند الحديث عن دوما تعود إلى ذاكرة الفلسطينيين مشاهد المحرقة البشعة التي ارتكبها مستوطنون متطرفون بحق عائلة دوابشة منذ ثمانية أعوام، وذلك حينما هاجموا منزل المواطن سعد دوابشة وأشعلوا فيه النار وهو بداخله وعائلته ليستشهد وزوجته رهام وطفلهما الرضيع علي، فيما أصيب ابنهما أحمد بحروق بليغة.

مساعي لابتلاع الاراضي ،،

ويسعى الاحتلال لابتلاع أراضي الفلسطينيين في دوما والقرى المجاورة لها، ومصادرتها بحجة أنها “أملاك دولة”، و”محميات طبيعية”، و”مناطق عسكرية”، ما يسهل على المستوطنين الاستيلاء عليها وتشييد العديد من البؤر الاستيطانية في محيطها بعد أن تصبح مهجورة وغير مستخدمة.

وتابع، دوابشة: “لطالما اتخذ الاحتلال أساليب عنصرية بحقنا حيث قام بسرقة معظم أراضينا التي تبلغ مساحتها الاجمالية 18 ألف دونم، وضمها لصالح المستوطنات المتاخمة للقرية، فيما يمنع الأهالي والمزارعين من الوصول إلى أراضيهم الواقعة ضمن تصنيف(ج) ما يعرقل قيامهم بأنشطتهم المعتادة في فِلاحة الارض وزراعتها ورعي المواشي أيضاً”.

موقع استراتيجي ،،

وتتمتع القرية بموقع استراتيجي مميز ما يجعلها فريسة دَسمة للمستوطنين لنهب خيراتها، وذلك لأن سفوحها الشرقية تشرف على محمية فصايل حيث عيون الماء العذبة التي كانت تغذي القرية بمياه الشرب، كما أن وقوعها شرق ما يسمى شارع “ألون” الاستيطاني الذي يمتد من شمال الضفة الغربية حتى جنوبها زاد من أهميتها لدى الاحتلال الذي يسعى لضمها وتهجير سكانها.

وتقبع دوما وسط مجموعة من التكتلات الاستيطانية، فيحاصرها من الجهة الغربية مستوطنة “شيلو” التي تشكّل امتداداً لمستوطنة “أحيا”، وشارع “ألون” الاستيطاني من الجهة الشمالية الغربية، فيما يجثم على أراضيها من الجنوب معسكر “جبعيت” والمستوطن “حنان” الذي يستولي على خمسة آلاف دونم من أراضيها، ومن الجهة الشرقية مستوطنتا “فصايل” و”معالي أفرايم”.

بناء مهدد بالهدم ،،

ولا يجد الأهالي سبيلاً إلا توسيع نشاطهم العمراني والزراعي في أراضيهم المصنفة (ج) رغم أن البناء فيها مهدد بالهدم بحجة عدم الترخيص، حيث أوضح دوابشة: ” أخذنا على كاهلنا توسيع العمل والبناء ضمن هذه المناطق، نتيجة ضيق مساحة ما تبقى من أراضٍ داخل المخطط الهيكلي للقرية والتي تصل إلى تسعمائة وأربعين دونما فقط”، مضيفاً أن تلك المساحة لم تعد تلبي احتياجات السكان من خدمات أساسية وموارد طبيعية ومبانٍ سكنية في ظل الزيادة الطبيعية (حيث يبلغ عددهم 3500 نسمة).

ورغم أن هذه المقومات أبسط ما يمكن توفيره لدعم بقاء المواطنين ورباطهم في أراضيهم، إلا أن سياسة الاحتلال في التضيق عليهم ومحاصرتهم داخل هذه المساحة المحدودة أجبرت كثيراً من السكان على مغادرة القرية أو الانتقال إلى نمط البناء العمودي، وفق دوابشة.

مناشدة لتوجيه الانظار ،،

ويدعو رئيس المجلس القروي كافة الجهات الحكومية وذات الاختصاص إلى توجيه أنظارهم إلى هذه القرية الوادعة وتسخير كافة الجهود لخدمتها بقدر الإمكان والتخفيف من معاناة سكانها الذين يجابهون خطر التهجير القسري وحدهم، مشدداً على ضرورة توفير كل ما تحتاجه القرية من مقومات أساسية، لاسيما المياه، والمساهمة في دعم صمودهم وبقائهم في أراضيهم لمواجهة هذا التوغل الاستيطاني.

نقص في المياه ،،

وباتت القرية تعاني من نقص في امدادات المياه اللازمة للعديد من أنشطة الاهالي الزراعية والرعوية –بحسب دوابشة- وهذا إلى جانب كونها أساس الحياة للمواطنين، حيث أن المياه تصل دوما من القرى المجاورة بكميات ضئيلة، وذلك لأنها تُمثل آخر تجمع يحصل على المياه من بئر “روجيب” المشترك مع ثلاثة عشر تجمع قروي في جنوب شرق نابلس.

كما يحاول الاحتلال نزع كل معاني التشبث في محمية فصايل ونبع دوما وعين الرشاش الذي يتمركز حوله تجمع بدوي مهدد بالتهجير أيضاً، رغم أن هذه الينابيع تشكل أحد أهم المصادر الرئيسية للمياه في القرية، فيما يستولي الاحتلال على مياهها ويمنع السكان من الوصول لها.

صعوبة المواصلات ،،

ويقول دوابشة: “ومن مشاكل العيش في مجتمعنا المحلي المحاصر هو صعوبة المواصلات وتنقل المواطنين بين القرية ومحيطها، الأمر الذي يعيق المجلس القروي عن التواصل مع المناطق المجاورة، وكذلك القيام بأعماله في تقديم الخدمات اللازمة للأهالي أيضاً”.

ونقص في الخدمات الصحية ،،

وأضاف: “ولدينا نقص في الخدمات الصحية وعدم وجود مراكز إغاثية قريبة تلبي نداء السكان في الحالات العاجلة، خاصة أن عيادة القرية لا تعمل إلا يوماً كل أسبوع، كما أن بُعد دوما عن مركز المدينة يُؤخر وصول طواقم الإسعاف أو الدفاع المدني في الحالات المرضية الطارئة أو نشوب الحرائق وسط العراقيل التي يضعها الاحتلال على الطرقات في جنوب نابلس”.

ويأمل رئيس المجلس أيضاً بتدبير عملية مريحة وآمنة لجمع النفايات من حارات وشوارع القرية، وذلك للتخلص منها بطرق صحية تحد من تكدسها وتحميها من التلوث البيئي، حيث أنه لا يوجد آلية خاصة لنقل نفايات القرية، فيما يتم جمعها بواسطة جرار زراعي ومن ثم تصريفها في مكب قريب مهدد هو الآخر بالإزالة من قبل الاحتلال.