دفع التعويض للمستوطنين .. تطويع وتطبيع

بقلم: قدورة فارس 

بمناسبة أو بدونها يُردد قادة الاحتلال الإسرائيلي السياسيون، والعسكريون، والأمنيون مقولة أنهم يهدفون من خلال إجراءاتهم الإجرامية “رفع كلفة النضال على الفلسطينيين” ولذلك أصبحت عمليات التخريب، والتدمير المقصود، ومصادرة، وسرقة الأموال أو المركبات ملازمة لكل عملية اعتقال، ليس هذا فحسب بل يطل علينا الاحتلال بين الحين والآخر بتقليعة قمعية جديدة تقع في نفس سياق الهدف المُعلن المشار إليه “رفع كلفة النضال”.

ولعل أحد أخطر هذه الإجراءات هي إجبار الأسير ومن خلال محاميه بدفع تعويضات للمستوطن الذي تضرر من العمل الذي قام به الأسير واسترضائه، فإن قبض المبلغ ورضي .. تتساهل النيابة العسكرية في عقد صفقة مع محامي الأسير، فتحكم عليه حكمًا أقل مما كانوا يهددون به مضافًا إليه غرامة مالية، وبذلك يكون قد ترتب على الأسير ثلاث خسائر مادية أولها: الأضرار التي لحقت بالمنزل والتي تتجاوز عادة عدة آلاف من الشواكل ثم التعويض الذي يدفع للمستوطن المتضرر، وأحيانا تصل إلى عشرات الآلاف من الشواكل، إضافة إلى الغرامة والتي تتفاوت من أسير لآخر، وتدخل في حساب وزارة جيش الاحتلال، ولذلك فإنني أقدر حجم المبالغ التي يتم نهبها من جيوب عائلات الأسرى في الأراضي المحتلة وفي مقدمتها القدس بخمسين مليون شيكل سنوياً، ولا يشمل ذلك الأضرار الناجمة عن اقتحام المنزل وما يلحق به من أذى.


هذا الذي أشرت إليه مجرد جانب بسيط من مترتبات عملية الاعتقال وتكاليفه على أسرانا وعائلاتنا، ولعل الشعار المستخدم من قبل المستوطنين الفاشيين وعصاباتهم “تدفيع الثمن” مستنبط من تصريحات القادة الرسميين “رفع كلفة النضال” في إطار عملية تقاسم أدوار تهدف بالأساس إلى استنزاف الشعب الفلسطيني وتيئيسه من قدرته على تحقيق أهدافه الوطنية.

من الخطورة بمكان النظر إلى الإجراءات أو القوانين، والأوامر العسكرية باعتبارها قدراً محتوماً وأنه ليس أمامنا إلا التسليم بها واللجوء الى إجراءات للتخفيف نسبياً من وطأتها علينا، إذ يشجع هذا المنهج الخاطئ، ويفتح شهية الاحتلال لمزيد من الإجراءات، في حين أن الاحتلال يحفظ لنفسه خط الرجعة في كثير من الإجراءات التي يتخذها، إذ تكون في بدايتها عبارة عن بالون اختبار فإن سارت الأمور بسلاسة يكرسها وينظمها، وإن وجدت معوقات، ومعارضة، ورفض سرعان ما نجده يتراجع، وهناك مئات الأمثلة على ذلك، فإذا أردنا مناهضة الاحتلال بالمعنى الجديّ علينا أولاً ومن حيث المبدأ أن نرفض أية قرارات تصدر عنه، وثانياً لا بد من التدقيق والتمعن في أسبابها ودوافعها والجهات التي تقف وراءها والسياقات التي جاءت بها، ثم بلورة موقف وفحص إمكانيات تعزيز الرفض المبدئي لإجراءات الاحتلال بخطط عمل وقرارات وسياسات، حتى نبقي لأنفسنا بعضا من زمام المبادرة وأن لا نتحول إلى متلقين مستكينين لما يفرض علينا على أرضية الاعتقاد أنه يستحيل أن يتراجع الاحتلال عن قرار اتخذه، فهذه قاعدة خاطئة علينا أن نتحرر منها لأنها إحدى تعبيرات التسليم بالاحتلال .

يتفق الجميع على القاعدة الذهبية التي تقول بأن “تحويل مشروع الاحتلال إلى مشروع خاسر” هو السبيل الذي يقود لدحر الاحتلال وطرده من فلسطين، ورغم أن هذه تمثل بديهية ومسلمة من المسلمات ومحل إجماع وطني، إلا أن السلوك الجماعي من قبلنا كفلسطينيين لا يُوحي إطلاقاً بأن القاعدة المشار إليها محل اهتمام وتطبيق، ولذلك نجد أن الأحزاب والقوى الإسرائيلية، ونظراً لكون الأراضي المحتلة باتت تمثل مشروعاً اقتصادياً عملاقاً لإسرائيل تسعى جاهدة لتكريس الاحتلال، وتجذيره، وتحاول كاذبة أن تضفي على مشروعها معاني تاريخية ودينية ملفقة، وليس ذلك إلا من أجل إعطاء شرعية للاحتلال، وتحشيد الرأي العام الإسرائيلي من العوام لصالح هذا المشروع الاقتصادي.

وعودا على بدء وحتى لا نغوص عميقاً في هذا الموضوع بعيداً عن القضية التي تناولناها، وهي تعويض المستوطنين، لا تعالج من خلال الإقناع والتوعية فقط على أهميتها، إذ لا بد من إجراءات محددة تتخذها جهات الإختصاص لقطع دابر بعض الظواهر أو الحد منها على أقل تقدير، فقد كان حريّ بالمعتقل الذي يُطالب عائلتة ويلح عليها لكي تدفع تعويضا للمستوطن ثم الغرامة بغرض تقصير مدة اعتقاله أن يبقى قاعداً في بيته، فلا يجوز أن تخرج للنضال ضد هذا الاحتلال وتتحول بين ليلة وضحاها إلى شخص يضخ مالاً في خزينة الاحتلال، هذا المال الذي يُستخدم في تمويل العمليات العسكرية الوحشية التي يقومون بها، ووفقًا للتقليعة الجديدة “التعويض” تتحول ايضاً الى ممول للمستوطنين.

ولذلك فإنني أدعو الى اعتماد الاجراءات التالية لتطويق ومحاصرة هذه الظاهرة الخطيرة وهي على النحو التالي :

أ‌- القيام بحملة توعية وتعريف للمواطنين بخطورة هذا المنهج الذي يتسع أكثر وأكثر إذا لم يتم التصدي له.
ب‌- اتخاذ قرار بعدم اعتماد ملف أي أسير يبرم صفقة تشمل التعويض تحت أي ظرف من الظروف بحيث يصبح حكمه حكم ملفات تجارة السلاح .
ت‌-فسخ عقد المحامي الذي يشارك في إبرام هذا النوع من الصفقات إذا كان متعاقداً مع أي جهة رسمية أو أهلية تعمل لنصرة قضية الأسرى.
ث‌-بعد توضيح أبعاد وخطورة مسألة التعويض لنقابة المحامين الفلسطينيين وعدتهم لإتخاذ إجراءات نقابية بحق أي محامي عضو في النقابة .

ثقتي عالية بأننا بالوعي والحزم معاً يمكن أن نقطع دابر هذه الظاهرة والمروجين إليها كمقدمة للانتقال لمعالجة ظواهر خطيرة أخرى تمس بجوهر نضالنا هذه الاحتلال الإسرائيلي.

*رئيس نادي الأسير الفلسطيني