دروس من معركة ثأر الأحرار

بعد الوصول إلى التهدئة، وانتهاء المعركة الأخيرة التي جرت بين حكومة الاحتلال الإسرائيلية والمقاومة الفلسطينية الباسلة، هناك استنتاجات واضحة وجلية كالشمس لتطورات نوعية، بالمقارنة مع المواجهات المماثلة الأخيرة، ولحالة الكفاح الوطني الفلسطيني من أجل الحرية.


أولاً، لا سبيل لمواجهة حكومة الاحتلال العنصرية، وردع جرائمها إلا بالمقاومة على الأرض.

والعلاقة بين الشعب الفلسطيني وإسرائيل، هي حالة صدام وصراع وكفاح وطني بعد أن نسفت جميع الحكومات الأخيرة أوهام الحلول الوسط معها.

ثانياً، يمثل الفاشيان العنصريان المستوطنان المنتميان للأحزاب الدينية الأصولية اليهودية بن غفير وسموتريتش قوة مقررة في الحكومة الإسرائيلية تدفع بشكل متواصل نحو التصعيد الشامل، ويجران نتنياهو معهما نحو مغامرات خطيرة للغاية. وكان من أهم دوافع العدوان، أخيرا، محاولة نتنياهو إنقاذ حكومته من الانهيار، حتى لا ينتهي به الأمر في السجن بسبب قضايا الفساد، وكذلك محاولة احتواء المعارضة التي تؤيده في كل عمل ضد الفلسطينيين.

ثالثاً، خطة إسرائيل لفرض تهدئة من جانب واحد على الفلسطينيين فشلت فشلاً كاملاً.

بمعنى أن إسرائيل حاولت تكريس نتائج اجتماعات العقبة وشرم الشيخ، التي لم يكن صحيحاً ولا منطقياً أن يشارك طرف فلسطيني فيها، ومضمونها، من وجهة نظر إسرائيل، أنها تستطيع مواصلة الاستعمار الاستيطاني وضم الضفة الغربية وتهويدها، والاعتداءات على المسجد الأقصى والمقدسات الدينية، والاعتقالات والاغتيالات ضد المناضلين الفلسطينيين من دون أن تواجه مقاومة فلسطينية. وحيث إن المقاومة لم تشارك في تلك الاجتماعات ورفضتها، جاءت الهجمة الإسرائيلية في محاولة لإرضاخ المقاومة، فانقلب السحر على الساحر، وكان فشلها الكبير أن مقاومة مخططاتها لن تستمر فقط، بل ستتصاعد.

رابعاً، فشلت إسرائيل في شق صفوف المقاومة وتكرار استراتيجيتها الاستعمارية، باعتماد نهج “فرق تسد” من خلال استهداف حركة الجهاد الإسلامي لعزلها وفصلها عن قوى المقاومة الأخرى، فكانت النتيجة معاكسة بمجيء الرد من غرفة العمليات المشتركة، والتفاف قوى المقاومة، بل والشعب الفلسطيني بكامله، حول حركة الجهاد.

خامساً، فشلت إسرائيل في فصل الساحات الفلسطينية عن بعضها البعض، وضرب وحدتها، كما فشلت محاولاتها في تصفية المقاومة في الضفة الغربية والقدس والداخل، من خلال ضرب المقاومة في قطاع غزة.

سادساً، رغم نجاح إسرائيل في اغتيال قيادات في المقاومة، ترافقت معركة غزة الأخيرة مع مظاهر فشل عسكري واستخباراتي إسرائيلي، بما في ذلك فشله في توقع ردود أفعال المقاومة الفلسطينية التي أدارت المعركة بحكمة، وتخطيط علمي، من دون تسرع أو انفعال عاطفي.

وبالإضافة إلى الفشل المتكرر للقبة الحديدية في التصدي للصواريخ الفلسطينية. ورغم التفاوت الهائل في القدرات العسكرية بين الطرفين، ارتدى الصدام طابعاً ندياً متكافئاً، وأثبت الفلسطينيون ببسالتهم قدرة متميزة على المقاومة، بالمقارنة مع ما حدث سابقاً بين الجيش الإسرائيلي وجيوش رسمية عربية. وبدون شك، سيكلف فشل المنظومات الدفاعية والاستخباراتية الإسرائيلية، بما في ذلك القبة الحديدية، إسرائيل خسائر كثيرة في مجال بيع (وتصدير) أسلحتها ومنظوماتها، التي فقدت خلال المعركة ليس فقط جزءاً مهماً من قدراتها، بل وسمعتها أيضاً.

سابعاً، استطاعت المقاومة الفلسطينية بذكائها، وقوة أدائها، أن تكشف أكاذيب نتنياهو ومناوراته ومسرحياته الإعلامية وتعريها، فبدا سخيفاً وموضع سخرية للإعلام الإسرائيلي نفسه، عندما خرج يتفاخر بأنه جرد الجهاد الإسلامي من قدراته، لتسقط خلال دقائق الصواريخ على العمق الإسرائيلي، بما في ذلك على محيط تل أبيب، والقدس، بالإضافة إلى عسقلان وسدروت ومستعمرات غلاف غزة.

ثامناً، أثبتت المقاومة في قطاع غزة، كما أثبتت المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية، أن سياسة اغتيال القيادات والمقاومين فاشلة، ولن تنفع المجرمين الذين ينفذونها، فمكان كل قائد يُغتال يحل عشرة، ومكان كل مقاوم يستشهد يندفع مائة شاب للحلول مكانه.

تاسعاً، أكدت المعركة الأخيرة، ما كنا نعرفه، ونؤكده دوماً، بعدم وجود فرق بين ما تسمى المعارضة الصهيونية، والحكومة الإسرائيلية عندما يتعلق الأمر بقمع الشعب الفلسطيني واضطهاده، إذ اندفعت المعارضة لدعم نتنياهو بكل طاقتها كما دعمته في تمرير قوانين عنصرية ضد الشعب الفلسطيني الذي يواجه مشروعاً صهيونياً واحداً موحداً يسعى إلى تهويد وطنه وتصفية قضيته.

عاشراً، فشلت إسرائيل في محاولتها كسر قوة الردع الفلسطينية، بل تعزز نهج المقاومة والردع على حساب فشل أوهام أصحاب مشاريع المفاوضات وانتظار الحل من الخارج.

حادي عشر، كشفت المعركة ، بصورة أوضح من أي مرة سابقة، مدى هشاشة المجتمع الإسرائيلي وضعفه، وعدم قدرته على احتمال مواجهة طويلة المدى، بسبب نقاط ضعفه المتمثلة في حساسيته الشديدة للخسائر البشرية، وحساسيته للخسائر الإقتصادية، وحساسيته للخسائر الأخلاقية والمعنوية، وقد تلقى ضربات في كل واحدة من هذه النقاط.

وما من شك أن إسرائيل تدفع ثمن تحولها إلى مجتمع رفاهية لا يحتمل الخسائر والتضحيات، ولعل ما نشر من معلومات عن وجود 700 ألف إسرائيلي في الخارج يرفضون العودة لإسرائيل مؤشر ذو أهمية على ذلك.

ثاني عشر، للأسف الشديد، بدت السلطة الفلسطينية معزولة، وخارج الصورة بالكامل، ليس فقط لأنها اختارت طريق الابتعاد عن خوض الصراع، بل بسبب قرارها الخاطيء المشاركة في لقاءات العقبة وشرم الشيخ، وعدم تجاوبها مع جهود المصالحة الوطنية، بما في ذلك عدم تنفيذ إتفاق الجزائر، فلم تكن طرفاً في المقاومة الجارية، ولا طرفاً في مباحثات التهدئة.

ثالث عشر، بمقدار ما كان وجود غرفة العمليات المشتركة والموحدة في قطاع غزة عاملاً حاسماً في إفشال الهجمة والمخططات الإسرائيلية، بمقدار ما شكل غياب وجود قيادة وطنية موحدة فلسطينية تتبنى إستراتيجية وطنية كفاحية مقاومة، عامل ضعف لا بد من علاجه، من أجل ترجمة تضحيات الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة إلى نتائج سياسية.
لم تكن معركة ثأر الأحرار الأولى، ولن تكون الأخيرة، فهي جولة في صراع مفتوح ونضال يخوضه الشعب الفلسطيني من أجل تحقيق حريته، وإنهاء الاحتلال وإسقاط كل منظومة الأبارتهايد والتمييز العنصري في فلسطين بكاملها.