فرض العدوان الاسرائيلي الاخير على قطاع غزة والذي استمر خمسة ايام واوقع ٣٣ شهيدا وحوالي ٢٠٠ جريح بعد استنزاف كبير لجزء مهم من القيادة العسكرية لحركة الجهاد الاسلامي واغتيال عدد من ابرز قادة سرايا القدس سؤالا مهما تترتب عليه معادلات عديدة في معركة الحفاظ على جذوة المقاومة الفلسطينية وابقائها متقدة ومشتعلة ومستعدة للرد على هجمات الاحتلال الدائمة ،وهو كيف كان موقف حركة حماس التي لم تشارك في هذه الجولة ، وهل عدم مشاركتها تعني ان هناك عقلية جديدة بادارة وقيادة حكيمة تقود الحركة ام ان ما قامت به هو تكتيك مرحلي قد يتغير في ضوء المعطيات والمستجدات على الساحة لا سيما وان الاحتلال طرف غادر ولا يمكن الوثوق به في اي معادلة تسوية او سلام او حتى هدنة مؤقتة لانه سيكون المبادر لخرقها ومهاجمة اهداف فلسطينية بدعوى انها ملاجئ وملاذات للمقاومة والسنوات العشرين السابقة منذ بداية حملة استهداف قطاع غزة دليل على ذلك ..
كانت حماس التي احتفلت بذكرى انطلاقتها الخامسة والثلاثين في كانون اول الماضي قد اعلنت على لسان رئيس مكتبها السياسي اسماعيل هنية ان مشروعها السياسي الجديد يرتكز على المتغيرات التي تشهدها الساحة الدولية والاقليمية ويستند على التطبيع الاقليمي والتهدئة في غزة والمناورة في ساحة الضفة الغربية ..
كان هنية قد اشار في خطابه انذاك ان المتغيرات الرئيسية تتمحور حول تصاعد حملة المقاومة في الضفة الغربية وتولي الحكم في الكيان المحتل من احزاب يمينية متشددة ودينية متطرفة تحاول مسابقة الزمن لفرض وقائع تهويدية عديدة على المشهد الفلسطيني والحرب الروسية الاوكرانية وظلالها على المنطقة ليرسم الاستراتيجيات السبع لحركته وهي
أن القضية الفلسطينية كلٌ لا يتجزأ على مستوى الأرض والشعب والثوابت والحقوق
وأن القدس محور الصراع مع إسرائيل وان أن المقاومة قدر وليست خيار أو شعار، وأنها “ستستمر وستتصاعد”.وضرورة إنجاز الوحدة الوطنية والاتفاق على برنامج وطني سياسي لهذه المرحلة وبناء المرجعية القيادية الموحدة.
والاستمرار بالانفتاح على كل مكونات الأمة والدول العربية والإسلامية، والانفتاح على جميع “أحرار العالم” والتنسيق المشترك مع الجميع لمواجهة إسرائيل.
وأن “حماس” لن تتوانى في التخطيط والعمل من أجل تحرير الأسرى، وأن كتائب القسام مصممة على إنجاز صفقة تبادل الأسرى مع إسرائيل.
واستراتيجية العمل على كسر الحصار عن قطاع غزة.
وفي ضوء محاولات حماس لايجاد توافق وتوازن اقليمي لاسيما وانها تمتلك عدة قيادات محلية وخارجية نجد ان مضامين الخطاب السياسي للحركة يقوم على أساس روح الشراكة في المسؤولية واتخاذ القرار الميداني الصحيح انطلاقا من اعتبارات ديمقراطية اصبحت تسيطر على قرارات الحركة التي تقودنا للحديث عن وجود بيئة متغيرة وتحديات ناشئة في ظل ما يحيط بالمنطقة من تداعيات وان الحركة معنية بتحول ولو بسيط عن اهدافها الاستراتيجية فان الحديث يتركز هذه الايام على الامتداد في سياسة الحركة انطلاقا من وثيقة مبادئها وسياساتها العامة التي اقرتها عام ٢٠١٧ ..
ان سياسة التوازنات التوافقية في تشكيل الحركة يجعلنا نفهم حقيقة تفاوت الاولويات وبالتالي ما بين الاهتمام بقطاع غزة ودعمه كأولوية خاصة في قضايا التسهيلات الاقتصادية والتجارية وحركة المعابر وتصاريح العمل لمواطني غزة للعمل في الداخل الفلسطيني يدفع الحركة للتركيز كثيرا في هذه المرحلة على عملية اتمام صفقة تبادل للاسرى ومن شأن ذلك ان يؤدي الى انفراجة نسبيا ويسفر عن تحسين شروط التفاوض لا سيما وان هذا الملف الحساس تترتب عليه تبعيات كبيرة اهمها تحرير مئات الاسرى من نير الاحتلال ومن هنا كان واضحا ان حماس لم تنضم لمواجهة العدوان الاسرائيلي ميدانيا وفعليا لحفظ خط الرجعة والحفاظ على وضع القطاع الاقتصادي والمعيشي والابتعاد قدر الامكان عن سفك الدماء وسقوط عشرات الشهداء الفلسطينيين جلهم من الفقراء ليترتب على ذلك معاناة جديدة واغلاقات وتشديد واقع الحصار ومن هنا نفهم حقيقة وجوهر قرار حماس الصحيح وان الجهاد الاسلامي وان كانت حركة مندفعة ومقاومة من الطراز الاول وخاضت مواجهة محتشدة بكل آيات الكبرياء الا أنها اخطأت في اجتهاداتها وكان يمكن ان تتجنب الضربة التي لا يمكن غض النظر عنها باستهداف قادتها وتدمير اكثر من عشرين منزلا في القطاع اضافة لارتقاء الشهداء والجرحى ..
الجهاد حركة لا تقود القطاع وتقع المسؤولية على حكومة حماس كجهة حاكمة ومتنفذة في كل شيئ وبالتالي فان رفع الحصار ايضا عن مواطني قطاع غزة له من الاولويات الكثير لكن ما نلاحظه ان ايا من قادة حماس لم يتطرق لخطوات عملية لرفع الحصار وهذا يعني ان حماس وصلت سقفها الاعلى فيما يخص ادارة القطاع معيشيا وبالتالي فان الازمة قد تتواصل وتؤثر بالتالي على صعوبة اتخاذ القرار وعلى طبيعة العلاقة مع الجهاد الاسلامي التي تشهد توترات كبيرة منذ اب في العام الماضي ..
ان انتقادات حماس المتتالية لدور السلطة الفلسطينية الضعيف في الضفة الغربية وعدم القدرة على تشييد اتفاق وطني يستند لبرنامج استراتيجي بين الفصائل الفلسطينية يحول الانظار الى قضايا اخرى تعزز الانقسام السياسي والمصالحة الداخلية ..
هذه الاسباب وغيرها جعلت قيادة حماس تبدو اكثر حذرا وبراغماتية لكن ذلك لا يعني انه ليس لها طموحها السياسي الذي اصبح اكثر جدية لتحقيق منجزات جديدة في الساحة حيث تسعى لتوظيف المتغيرات في اسرائيل والضفة الغربية لصالح تعزيز ادوارها الاقليمية والمحلية ..
في الختام لا زالت التحديات جسام واي تعطل او تعثر في اي ملف من الملفات الاستراتيجية لاهداف حركة حماس فان خيارها سيعود الى المواجهة مع اسرائيل لا سيما اذا اصرت الاخيرة على شروطها بتعقيد صفقة تبادل الاسرى ومواصلة الحصار على القطاع وسياستها في الضفة الغربية والقدس في مسعى لتحقيق انفراجة بقوة السلاح والنار والمواجهة ومن هنا يمكن القول ان حركة حماس تصرفت بشكل صحيح وبقيادة حكيمة ويبقى تصرفها في اطار التكتيك الذي يفترض ان تسير عليه بانتظار ما يحصل من تطورات عالمية وعربية ومحلية عكس حركة الجهاد الاسلامي التي اخطأت التقدير في ظل الموقف المعقد في الصراع الفلسطيني الاسرائيلي الذي قد يمتد لسنوات طويلة لا سيما وان اسرائيل لم تستطع بكل جبروتها وقوتها املاء استراتيجية جديدة وقد تكون المواجهة القادمة قريبة اكثر من اي وقت مضى