أفاق سكان الناصرة قبل يومين على جريمة قتل مروعة قتل فيها خمسة أشخاص عرب، كما أصيب في نفس اليوم ثلاثة اشخاص في كفر كنا ووادي عارة بجرائم إطلاق نار، لترتفع بذلك حصيلة القتلى في الوسط العربي داخل الخط الأخضر الى 96 قتيلا منذ مطلع العام الجاري. وغالبية جرائم القتل تقع في إطار الجريمة المنظمة التي تقوم بها جماعات العصابات التي تتاجر بالمخدرات والقمار والدعارة. وفي ظل لامبالاة الشرطة الإسرائيلية، فإن حوادث القتل في الوسط العربي آخذة بالتصاعد، فوفقا لموقع تايمز أوف إسرائيل، فقد قُتل 74 شخصاً في المجتمع العربي عام 2018.
وإرتفع هذا الرقم إلى 94 في عام 2019، و 109 في عام 2020، وإلى 126 في عام 2021. ويتوقع في العام الجاري أن يتجاوز عدد الضحايا 200 قتيل. وفي حين ترتفع الجريمة المنظمة في الوسط العربي لتصل الى 1.7 جريمة يومياً، الا أن المفارقة تكمن في عدد الضحايا العرب مقارنة بنسبتهم داخل المجتمع الإسرائيلي، حيث قُتل 731 شخصاً في إسرائيل في جرائم عنف بين عامي 2018 و 2022. على الرغم من حقيقة أن المجتمع العربي يشكل 21٪ فقط من عدد السكان، إلا أنهم مثلوا 70٪ من عدد الضحايا الإجمالي.
لا شك أن ظاهرة العنف في المجتمع الإسرائيلي ترتفع بشكل متصاعد، ولكنها تتصاعد بشكل أوسع وأخطر في الوسط العربي. في هذا السياق، كشفت صحيفة “يديعوت أحرونوت”، أنه منذ مطلع العام السابق 2022، فُتح في إسرائيل 54,572 ملفاً تتعلق بالعنف الجسدي، و31,285 ملفاً بشأن العنف الأُسري، و7,871 ملفاً لها صلة بالعنف الجنسي. وأفادت المعطيات أيضاً أنه، منذ بداية العام الحالي، فتحت الشرطة 7,871 ملفَ تحقيق بتهمة اقتراف تحرّش وجرائم جنسية، في مقابل 6,922 ملفاً خلال العام الماضي. كما أن المراجعات بشأن العنف الأُسري ازدادت بنسبة 36 % خلال الأشهر العشرة الأولى من هذا العام، مقارنة بالفترة الموازية لها من العام الماضي. وأصبحت 5,712 مراجعة.
في الواقع، فإن هذه الأرقام صادمة، وتعكس طبيعة الفصل العنصري داخل إسرائيل، وذلك من عدة جوانب، أهمها:
أولاً: التمييز في فرض القانون، حيث أظهرت البيانات أنه تم توجيه لوائح إتهام فقط في 29٪ فقط من جرائم القتل في المجتمع العربي خلال السنوات السابقة ، مقارنة بـ 69٪ بالنسبة للمجتمع اليهودي.
ثانياً: التمييز في تقديم الخدمات للوسط العربي مقارنة بالوسط اليهودي، لاسيما في حقل الخدمات المصرفية والتي تفسح المجال للمرابين من العصابات بالتحكم في توفير السيولة والقروض في الوسط العربي في ظل توافر مثل هذه الخدمات في الوسط اليهودي.
ثالثاً: التمييز في توفير الأمن والانضباط، حيث لا تقوم شرطة الاحتلال بواجبها في ضبط السلاح وملاحقة حامليه في الوسط العربي مقارنة بعملية الضبط والسيطرة في المجتمع اليهودي، وهو الأمر الذي جعل من عملية حمل السلاح في الوسط العربي عملية سهلة وغير مراقبة.
رابعاً: التلكؤ في متابعة الجريمة المنظمة في الوسط العربي، فبرغم تصاعد منسوب الجريمة المنظمة في الوسط العربي منذ خمس سنوات الا أن ما يسمى بوزير الأمن القومي إيتمار بن غفير أعلن أخيراً في بيان قصير للصحافة عن نيته إعطاء الأولوية الآن للمشكلة وتعيين منسق خاص بالسياسة الأمنية في الوسط العربي!.
في الواقع، فإن الدولة غير حاضرة في الوسط العربي في إسرائيل، والعنف في إسرائيل بلا حدود على حد تعبير “يديعوت أحرونوت”، وقد أدت هذه الجرائم الى إنعدام ثقة المواطن العربي في إسرائيل بالأمن الإسرائيلي، كما أدت الى ازدياد الشعور بالخوف وعدم الأمان لدى العرب القاطنين في المدن العربية في إسرائيل.
وفي النتيجة، فإن إسرائيل العنصرية هي عنصرية حتى في الجرائم المرتكبة بداخلها، فهذه الجرائم المتصاعدة في الوسط العربي في إسرائيل تعبر عن واقع الفصل العنصري الذي تعيشه المدن العربية، إنها مدن تعيش في ظلام الجريمة المنظمة وسط فلتان أمني مقصود من قبل السلطات الأمنية الإسرائيلية. والنتيجة التي ستصل اليها هذه المدن اذا إستمر تصاعد الجريمة هو تهجير سكانها وتقليل مشاركة مواطنيها في الحياة العامة وزيادة الفقر والبطاله فيها.