يعتبر هجوم تنظيم “داعش” الأخير على سجن “الصناعة” (أكبر سجن لمحتجزي التنظيم في العالم) الواقع ضمن حي (غويران) وسط محافظة الحسكة، شمال شرقي سورية، أحد أكبر الهجمات التي نفذها التنظيم، منذ إعلان الولايات المتحدة الأميركية في مارس/آذار عام 2019 عن هزيمة التنظيم في آخر معقل له، ضمن منطقة الباغوز شرق سورية، وذلك قبل أيام من مقتل زعيمه.
وأكد الرئيس الأميركي جو بايدن، الخميس، أن “أبو إبراهيم الهاشمي القرشي” زعيم تنظيم “داعش” الذي قُتل بعد منتصف ليل الأربعاء- الخميس بعملية إنزال جوي لقوات التحالف الدولي شمال إدلب، كان “مُشرفاً على عدة عمليات في العالم من بينها سجن شمال شرقي سورية”.
حرب العصابات
منذ أن تسلم القرشي زعامة التنظيم خلفاً للبغدادي، عمد إلى حرب العصابات ضد “قوات النظام السوري في البادية السورية التي تُسيطر عليها امتداداً من مدينة السخنة شرق محافظة حمص وصولاً إلى بادية البوكمال شرق محافظة دير الزور، فيما تعامل مع فصائل الجيش الوطني السوري في مناطق (درع الفرات، وغصن الزيتون، ونبع السلام) شمال سورية داخل المدن والقرى من خلال زرع العبوات الناسفة والسيارات المفخخة، وكذلك فعل التنظيم مع قوات سورية الديمقراطية (قسد) في مناطق سيطرتها ضمن محافظات الحسكة والرقة ودير الزور، وهيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) في منطقة إدلب، شمال غربي سورية، بالإضافة إلى هجمات أخرى نفذها التنظيم ضد القوات العراقية داخل الأراضي العراقية، بهدف إعادة هيكلة التنظيم وكسب الغنائم من خلال سياسة اللامركزية التي اتبعها القرشي.
التنسيق من أجل المركزية
وحول تغيير سياسة التنظيم بعد تولي القرشي الخلافة، يرى الباحث في مركز “جسور” والمختص بالجماعات الإسلامية، عباس شريفة، في حديث لـ”العربي الجديد” أن “أبو إبراهيم الهاشمي القرشي لم يخرج كثيراً عن سياسة التنظيم، لكنه مضى في استراتيجية كسر الأسوار التي هي كانت أصلاً مُقرة منذ زمن أبو بكر البغدادي لتحرير الأسرى”، مؤكداً أن “عملية سجن الصناعة (غويران) تدخل في هذا السياق وفي الاتجاه العام للتنظيم”.
ويعتقد شريفة أن “القرشي استطاع أن يرفع مستوى التنسيق بين فروع تنظيم داعش في بقية المناطق بحيث أنهم استطاعوا أن ينسقوا لعدة عمليات بشكلٍ متواز في عدد من المناطق، وهذا يدل على ارتفاع مستوى التنسيق وعدم الاكتفاء بالإدارة اللامركزية للتنظيم”، مُشيراً إلى أن “زعيم التنظيم كان يميل إلى تعزيز المركزية، لكن هو لم يتحول إلى مركزية وبدأ بخطوات التنسيق ولكنه لم يكملها”.
واعتبر المختص في الجماعات الإسلامية أن “القرشي لم يهادن أحداً من أعدائه؛ كان يضرب في كل المناطق سواء ضد النظام السوري في البادية، أو فصائل المعارضة السورية وتحرير الشام شمال سورية”، مضيفاً: “القرشي كان مغيباً عن الإعلام بشكلٍ نهائي، وفي عهده انخفضت الرسائل والإصدارات الإعلامية للتنظيم، على عكس البغدادي الذي كان أكثر حرصاً على إعطاء رسائل إعلامية”، لافتاً إلى أن “القرشي أدار التنظيم بحرب العصابات وعمليات الكر والفر بالمجموعات الخفيفة واللامركزية، وكان يستهدف الأرتال ويحاول أن يرمم التنظيم من خلال بعض العمليات التي كان يغنم منها السلاح والوقود والإمدادات”.
التنظيم يستعيد عافيته
ونوه شريفة إلى أن “التحالف الدولي لاحظ في الآونة الأخيرة زيادة في نشاط تنظيم داعش، حيث أن التنظيم قام بثلاث عمليات في منطقتي (درع الفرات، وغصن الزيتون) التي تُسيطر عليها المعارضة في يناير الفائت، بالإضافة لعملية سجن غويران التي كانت أضخم عملية يقوم فيها التنظيم منذ سقوط آخر معاقله في الباغوز، مما يدل أن التنظيم بدأ يستعيد عافيته، بالإضافة لزيادة نشاط التنظيم في العراق”.
وتابع: “في آخر تقرير لمجلس الأمن، قدر عدد أفراد التنظيم بحوالي 10 آلاف مقاتل ما بين سورية والعراق، وهذا عدد كبير. التنظيم كان لديه عدد أقل من هذا في العام الفائت”.
وأشار الباحث إلى أن “التنظيم يدرك أنه لا يستطيع الحفاظ على الأرض بسبب القوة الجوية للتحالف الدولي وروسيا، لذلك هو يحاول دائماً أن يضرب ويهرب كي لا يكون عرضة للاستهداف”، مضيفاً: “التنظيم جرب الحرب مع الطيران، وكانت مُكلفة جداً بالنسبة له سواءً من الناحية البشرية أو من الناحية المادية، ويبدو أن التنظيم أخذ درساً من ذلك الأمر، وليس هو بوارد السيطرة على الأرض، وهو يريد أن يحقق جهاد النكاية (الإنهاك للأعداء)، وهدم الأسوار وإرباك العقلية الذهنية، وبناء التنظيم وإعادة الترميم والتجديد وإعادة الثقة”، مؤكداً أن “هذه أبرز الأهداف التي يُركز عليها حالياً التنظيم، لكن ذلك لا يعني أن هدف التنظيم بالسيطرة على الأرض مستبعد أو خارج حساباته”.