بعد سنوات من الاعتداءات على المواطنين الفلسطينيين، تمكّن المستوطنون الذين يحتلون البؤر الاستيطانية العشوائية من طرد غالبية المواطنين الفلسطينيين، الذين يعيشون على مساحة شاسعة من الأرض تبلغ مساحتها نحو 150 ألف دونم، وتمتد من شرق رام الله والبيرة إلى مشارف أريحا في الضفة الغربية. وقد فعلوا ذلك، بحسب ما جاء في تقرير لمنظمة يسارية إسرائيلية، بحماية من الجيش الإسرائيلي، وفي أحيان كثيرة بمشاركة الجنود، طوال السنوات الأخيرة.
وقد نفذت عمليات الطرد خلال سنوات عدة، بدأت في زمن حكومات بنيامين نتنياهو ونفتالي بنيت ويائير لبيد، بلا توقف. والطرق التي استخدمها المستوطنون تمثلت في إقامة عشر بؤر استيطانية في المنطقة، احتلها رعاة مواش يهود. ووفقاً لمنظمة «كرم نبوت»، وهي منظمة إسرائيلية يسارية تتابع عمليات الاستيطان في المنطقة «ج» في الضفة الغربية، فقد نجح المستوطنون عملياً في الاستيلاء على المنطقة، وطرد العشائر البدوية منها. تقع جميع هذه الأراضي في المنطقة «ج»، ويخضع بعضها لملكية فلسطينية خاصة لسكان القرى المجاورة، وبعضها «أرض حكومية». اليوم، لا يستطيع الفلسطينيون الوصول إلا إلى نحو ألف دونم من هذه الأراضي، وحتى ذلك على مسؤوليتهم الخاصة.
وتقول المنظمة: «من غير الممكن تأطير هذه الأحداث على أنها عملية (ترانسفير)؛ إذ لم يصل الجيش بالشاحنات، وقاموا بتحميل السكان وتدمير منازلهم. فالسكان هم الذين قرروا المغادرة. لقد حزموا أمتعتهم القليلة، حتى أن بعضهم ترك ممتلكاتهم وراءهم، وهربوا إلى مكان يصعب عليهم فيه كسب لقمة العيش، من دون أراضي المراعي».
وفي تقرير نشره موقع «سيحا مكوميت» (مكالمة محلية)، التقى الصحافي والباحث أورين زيف، عدداً من الفلسطينيين من بعض التجمعات التي تم دفعها إلى الرحيل، فوصفوا ما جرى لهم، مبيناً أن هناك نمطاً موحداً لعمليات المستوطنين. فهم يصلون بأغنامهم لرعيها، وفي الوقت ذاته، يمنعون الفلسطينيين من الرعي. يضايقونهم ليلاً ونهاراً، بما في ذلك الدخول إلى المنازل، دون أن يمنعهم الجيش والشرطة. وقد تحدث الجميع عن الخوف والضيق النفسي. وقال محمد حسين، من تجمع عين سامية، الذي تم ترحيله في مايو (أيار) الماضي: «الأمر يشبه ما حدث عام 1948».
وبحسب بيانات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية ومنظمة «بتسيلم» الإسرائيلية، فقد تم حتى الآن، ترحيل أربع مجموعات. في عام 2019، غادرت مجموعتان من العائلات من الجزء الجنوبي من المنطقة بالقرب من مفرق الطيبة؛ وفي شهر يوليو (تموز) من العام الماضي، تم ترحيل تجمع سكان رأس التين (100 نسمة)؛ وفي شهر مايو، تم ترحيل تجمع السكان عين سامية (200 نسمة)؛ ومع بداية شهر أغسطس تجمع القابون (88 نسمة). ولم يتبق في المنطقة حالياً سوى ثلاثة تجمعات سكانية – عين الرشاش وجبيت ورأس عين العوجة – وكلها تواجه الخطر. كما بدأت هذه الظاهرة في الانتشار إلى المجتمعات الموجودة في المناطق المجاورة. على سبيل المثال، في وادي السيق، غادر مؤخراً 35 ساكناً، والكثير من العائلات التي بقيت في المنطقة معرّضة للخطر؛ وفي تجمع البقاع، فرّ معظم السكان، البالغ عددهم 43 نسمة، في شهر يوليو (تموز)، بعد إقامة بؤرة استيطانية وإحراق منزل على يد المستوطنين، بحسب السكان. ولاحظت أنه، مع تشكيل حكومة اليمين المتطرف بقيادة بنيامين نتنياهو، في مطلع السنة الحالية، طرأت زيادة في عدد حوادث عنف المستوطنين في المنطقة: في عام 2019 تم تسجيل 14 اعتداءً للمستوطنين هناك، في عام 2020 – 13 هجوماً، وفي عام 2021 – 14 هجوماً، وفي عام 2022 قفز العدد إلى 40 هجوماً، ومنذ بداية عام 2023 وقع 29 هجوماً.
يذكر أن الكثير من سكان هذه التجمعات هم لاجئون من منطقة النقب، تم ترحيلهم إلى الضفة الغربية في عام 1948، ومنذ عام 1967 تم ترحيلهم مرة أو مرتين.