لا تتردد قوات الاحتلال الإسرائيلي في الإعراب عن عجزها أمام تعدد التهديدات الأمنية، لاسيما على صعيد الجبهة الداخلية الفلسطينية، مع تزايد الهجمات الفلسطينية، والاحتجاجات المتواصلة عند المسجد الأقصى، ما دفع أوساطا أمنية إسرائيلية للمطالبة بالقضاء على المقاومة على صعيد الوسائل العسكرية والعملياتية، لكنهم يتجاهلون المشاكل الجوهرية الحقيقية للأمن القومي الإسرائيلي، والاستعداد للمواجهة القادمة لا محالة.
في الوقت ذاته، فإن الدعوات الإسرائيلية للتعامل مع المقاومة الفلسطينية بمنطق القبضة الحديدية، تستجيب فقط لحالة الصراخ الصادرة من الإسرائيليين من كل الجهات، وهو ما عبر عنه الخطاب الساخن والهستيري لقنواتهم التلفزيونية، دون التركيز على جذور المقاومة، واستيعاب الدروس المستفادة من المواجهات الممتدة مع الفلسطينيين طوال قرن من الزمن.
الجنرال يوسي بلوم هاليفي المؤرخ العسكري، والكاتب في صحيفة معاريف، ذكر في مقال أن “الاستراتيجية التي شاركت فيها الحكومات اليمينية واليسارية منذ اتفاقيات أوسلو ساهمت في وصول الواقع الأمني الإسرائيلي إلى هذه الحالة من التدهور، والنتيجة أن شمال الضفة الغربية، وتحديدا عاصمتها جنين، باتت مركزًا منسقًا للعمليات المسلحة، ولذلك تحولت المستوطنات المحاذية لمدينة جنين هدفا مفضلا للمنظمات الفلسطينية المسلحة”.
وأضاف أن “الجيش الإسرائيلي تخلى بدوره عن حماية المستوطنين في مختلف مناطق الضفة الغربية، الأمر الذي حول حياتهم فيها إلى جحيم لا يطاق، وباتت إسرائيل تعيش تحت ظل تهديدات متواصلة في حرب متعددة المجالات، ولم يعد بإمكانها أن تتوقع ماذا يمكن أن يحل غدا، ودون سابق إنذار، ومن ذلك مثلا أن إيران قد تشن هجوما مفاجئا على إسرائيل، أو أن يهاجم مسلحون المستوطنين، وينقضون عليهم بشكل مخيف”.
وتأتي مناسبة هذا الكلام بعد المشاهد “المخزية” التي ظهرت فيها نخبة القوات الخاصة الإسرائيلية خلال ملاحقة منفذ عملية شارع ديزنغوف وسط تل أبيب، خاصة سرية هيئة الأركان، وجهاز الأمن العام-الشاباك، واليمام، وحرس الحدود، لأنه لم تكن هناك جهة توجيه للتنسيق بينها، وظهر وزيرا الحرب بيني غانتس، والأمن الداخلي عومر بار-ليف، ورئيس هيئة أركان الجيش أفيف كوخافي، ومفوض عام الشرطة يعقوب شبتاي، جميعهم ظهروا في حالة من الفشل المخزي.
وتتحدث الأوساط العسكرية والأمنية الإسرائيلية على أن الإخفاق الأخير أمام هجمات المقاومة الفلسطينية قد يشجع قوى أخرى مثل الصواريخ الإيرانية، أو محاولة حزب الله لمهاجمة المستوطنات الشمالية، بما يشكل اختراقا للحدود الإسرائيلية، وهو ما يكشفه العديد من جنرالات الجيش خلال جملة من المقابلات والمحادثات التي أجروها في الآونة الأخيرة، وأهمهما يتسحاق بريك وغرشون هكوهين، وهما يحذران على الدوام من فرضية الحرب متعددة الجبهات التي قد يواجهها الجيش الإسرائيلي، وتشمل إخلاء الخطوط الحدودية، والتخلي عنها للعدو.
في الوقت ذاته، تتجه الأنظار الإسرائيلية باتجاه الجبهة الشمالية حيث يتأهب حزب الله لاحتلال المستوطنات الحدودية، ما يجعل من إقامة الجدار الأمني الشمالي إهدارا غير ضروري للموارد المالية، التي يمكن توجيهها لتعزيز عناصر القوة العسكرية، من حيث دمج القوة الدفاعية بنظيرتها الهجومية، خشية تكرار الفشل الذي حصل في حرب أكتوبر 1973، التي تخللتها خسائر فادحة في الجانب الإسرائيلي، ما يستدعي طرح السؤال على وزير الحرب غانتس حول جدوى الميزانية البالغة 360 مليون شيكل لإصلاح الثغرات في الضفة الغربية، وصولا إلى الحدود الشمالية.
على الصعيد الإسرائيلي الداخلي، يبدي الاحتلال خشيته من تفاقم التهديد الأمني القادم من فلسطينيي 48، لاسيما المدن المختلطة، والتجمعات البدوية في النقب، تحسباً لتوقع انتفاضة عربية إسلامية، بجانب الاستثمار في الأسوار الحديدية، والقوة البشرية لمقاتلي الذراع البرية، الذين تم طرد عشرات الآلاف منهم في ظل الخدمة الاحتياطية، ولعل مشاهد الحرب الأوكرانية تظهر مكامن التخوف الإسرائيلي من المواجهة القادمة، وسط عدم الاستعداد المناسب لها.