تحليل: الدور الأمريكي “غير المحايد” أفقد واشنطن مصداقيتها في القضية الفلسطينية

US President Joe Biden delivers remarks in the Roosevelt Room of the White House in Washington, DC, on May 24, 2022, after a gunman shot dead 18 young children at an elementary school in Texas. US President Joe Biden on Tuesday called for Americans to stand up against the country's powerful pro-gun lobby after a gunman shot dead 18 young children at an elementary school in Texas. "When, in God's name, are we going to stand up to the gun lobby," he said in an address from the White House. "It's time to turn this pain into action for every parent, for every citizen of this country. We have to make it clear to every elected official in this country: it's time to act." (Photo by Stefani Reynolds / AFP)

(شينخوا) رأى خبراء مصريون أن الدور “غير المحايد” للولايات المتحدة الأمريكية وانحيازها الدائم لإسرائيل أفقدها مصداقيتها كوسيط في القضية الفلسطينية وقضايا الشرق الأوسط.

واعتبر الخبراء أن زيارة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن الحالية للمنطقة تستهدف تخفيف حدة التوتر بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وحشد جميع الأطراف لمواجهة إيران التي أصبحت تمثل هدفا استراتيجيا للسياسة الخارجية الأمريكية.

وبدأ وزير الخارجية الأمريكي أمس ا(لأحد) زيارة للقاهرة، والتقى اليوم (الاثنين) مع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، ووزير الخارجية سامح شكري، وذلك في إطار جولة شرق أوسطية تشمل إسرائيل والضفة الغربية.

ومن المقرر أن يلتقي بلينكن خلال زيارته إلى الضفة الغربية وإسرائيل الاثنين والثلاثاء مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي وصل إلى الحكم مرة أخرى بعد فوزه وحلفائه من اليمين المتشدد بـ64 مقعدا في الانتخابات التي أجريت في الأول من نوفمبر الماضي.

ويسعى الوزير الأمريكي لخفض حدة التوتر المتصاعد في الأيام الأخيرة بين الفلسطينيين وإسرائيل، في وقت تراجع فيه الدور الأمريكي بشكل كبير في القضية الفلسطينية، بحسب الخبراء.

وأكد أستاذ العلاقات الدولية مستشار مركز ((جسور)) للدراسات الاستراتيجية أكرم حسام، تراجع الدور الأمريكي بشكل كبير في القضية الفلسطينية، إذ يراه الفلسطينيون دورا غير محايد ومنحاز لإسرائيل، خاصة منذ عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب وحتى الآن.

وقال حسام لوكالة أنباء ((شينخوا)) “إن الإدارة الأمريكية السابقة عملت على إلغاء دور اللجنة الرباعية الدولية حول الشرق الأوسط وأسست لنهج أمريكي أحادي ينحاز بشكل صارخ لإسرائيل ويؤيد بشكل دائم الاعتداءات والانتهاكات الإسرائيلية”.

وأضاف حسام أن تبني الإدارة الأمريكية لمشروع “صفقة القرن” الخطير، والذي حاولت تمريره عبر دول المنطقة لكنه فشل وتوقف من حيث بدأ، وما أعقب ذلك من قطع قنوات الاتصال مع الفلسطينيين وقطع المساعدات والمعونات الأمريكية سواء المباشرة أو للمنظمات الأممية مثل وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) أدى إلى تراجع مصداقية الموقف الأمريكي إلى أدنى مستوياته.

ورأى أن “الانحياز الأمريكي الصارخ” للمواقف الإسرائيلية وتراجع مصداقية الدور الأمريكي إلى أدنى حد له دفع الإدارة الأمريكية للاعتماد على الدور المصري بشكل كبير فيما يتعلق بمحاولات وقف التصعيد وتخفيف حدة العنف بين الفلسطينيين وإسرائيل بشكل دائم.

وأكد أن زيارة بلينكن تمثل اعترافا قويا بدور مصر وقدرتها على منع التصعيد والذهاب لدائرة العنف.

وأوضح أن القاهرة تلعب دورا مهما في التهدئة والتسوية السلمية، وتحظى بثقة الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، ولديها قدرة على الاتصال والإقناع مع كافة الأطراف الفلسطينية على اختلافها، ما مكنها من القيام بدور مهم للغاية في كافة التصعيدات التي وقعت بين الإسرائيليين والفلسطينيين خلال السنوات الماضية.

وخلال مباحثات مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، تناولت “التطورات الأخيرة في الأراضي الفلسطينية”، أكد وزير الخارجية الأمريكي أن “واشنطن تعول على التنسيق الحثيث مع مصر بقيادة الرئيس السيسي لاستعادة الاستقرار وتحقيق التهدئة واحتواء الوضع ما بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي”، وفق بيان للرئاسة المصرية.

ورأى حسام أن الدور الأمريكي لا يوجد فيه جديد، وأن بلينكن لا يحمل معه خلال هذه الجولة تصورات جديدة، ولكنها تأتي كرد فعل على ما يحدث حاليا من ارتفاع وتيرة العنف بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.

ويوم الجمعة الماضي، قتل سبعة أشخاص في عملية إطلاق نار قرب كنيس يهودي في حي نيفي يعقوب في القدس، فيما أسفر حادث آخر في المدينة المقدسة السبت عن إصابة شخصين بجروح بالغة، وفق مصادر إسرائيلية.

ووفقا للشرطة الإسرائيلية فإن منفذ الهجوم الأول توفى متأثرا بجروحه ويدعى خيري علقم، بينما الثاني أصيب بجروح خطيرة ويبلغ من العمر 13 عاما وكلاهما من شرق القدس.

وتبادل الجيش الإسرائيلي ومسلحون فلسطينيون إطلاق النار في قطاع غزة فجر الجمعة، وذلك في أعقاب مقتل 10 فلسطينيين الخميس برصاص الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية من بينهم 9 في عملية عسكرية تخللها تبادل لإطلاق النار مع مسلحين فلسطينيين في مدينة جنين ومخيمها.

وتعد هذه أكبر حصيلة يومية للتوتر الحاصل في الضفة الغربية منذ عدة أشهر، ما رفع عدد القتلى الفلسطينيين برصاص إسرائيلي منذ بداية العام الجاري إلى 35 قتيلا.

وتوعدت فصائل فلسطينية أبرزها حركتا المقاومة الإسلامية (حماس) والجهاد الإسلامي بالرد على التصعيد الإسرائيلي، فيما أعلنت القيادة الفلسطينية عقب اجتماع لها في رام الله الخميس أن التنسيق الأمني مع إسرائيل “لم يعد قائما”.

وبحسب أستاذ العلاقات الدولية، فلدى الولايات المتحدة هدف استراتيجي أهم الآن يتمثل في سعيها إلى أن يكون التصعيد في اتجاه إيران.

وأوضح أن وجود تصعيد بين الفلسطينيين والإسرائيليين قد يمكن إيران من توجيه ضربات إلى إسرائيل، ما يعني عدم قدرة واشنطن على حشد دول المنطقة ضد طهران وفشل الهدف الاستراتيجي الأمريكي، لذلك تلجأ إلى دول المنطقة وفي مقدمتها مصر للتعامل مع هذه الأزمات وضمان عدم التصعيد فيها.

من جهته، يشكك أستاذ العلاقات الدولية بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا حامد فارس في قدرة ورغبة الإدارة الأمريكية الحالية في حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، مؤكدا أيضا تراجع الدور الأمريكي.

وقال فارس لـ((شينخوا)) إن الإدارة الأمريكية الحالية لم تقم بممارسة أي ضغوط حقيقية لعودة المفاوضات المتوقفة منذ العام 2014، وبالتالي فهي تدير الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وليس لديها رغبة أو قدرة على حله.

ورأى أن واشنطن تبحث عن شريك استراتيجي بالشرق الأوسط يستطيع أن يلعب أدوارا لا تستطيع الولايات المتحدة أن تلعبها الآن بعدما فقدت مصداقيتها بالمنطقة، مشيرا إلى أنه من أهم هذه الأدوار أن يكون وسيطا مقبولاً وموثوقا به لدى طرفي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

وتابع أن مصر لديها من المقومات التي تستطيع من خلالها تحقيق السلام والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، ولذلك هي حاضرة في أي زيارة أو أي جهد أمريكي حول القضية الفلسطينية.

وأكد فارس تقلص دور الولايات المتحدة في إيجاد حلول للكثير من القضايا العالمية، خاصة قضايا الشرق الأوسط.
وعزا تراجع الدور الأمريكي في القضية الفلسطينية لعدة اعتبارات، منها فقدان الإدارة الأمريكية بشكل كبير مصداقيتها كعنصر محايد في حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي باتخاذها سياسة منحازة دائما لإسرائيل.

وأوضح فارس أن هذا “الانحياز الصارخ” جعل الجانب الفلسطيني ينظر إلى الولايات المتحدة باعتبارها طرفا في الصراع وليس وسيطا يسعى لإيجاد حلول عادلة للقضية، خاصة بعد قرارات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وهو ما يظهر أن الموقف الأمريكي يسعى لوأد القضية الفلسطينية غير عابئ بأن مثل هذه القرارات قد تؤدي إلى انفجار الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط.

وتوقفت آخر مفاوضات للسلام بين الفلسطينيين وإسرائيل في نهاية مارس من العام 2014.

ويطالب الفلسطينيون المجتمع الدولي بتحقيق دولة مستقلة إلى جانب إسرائيل على كامل الأراضي الفلسطينية المحتلة في العام 1967 بما يشمل الضفة الغربية كاملة وقطاع غزة وأن تكون عاصمتها القدس الشرقية.

بدوره، قال الأمين العام لمركز ((الفارابي)) للدراسات مختار غباشي لـ((شينخوا)) إن الولايات المتحدة خففت من تواجدها بالشرق الأوسط مع الإبقاء على ضمان حماية حليفها الأهم بالمنطقة إسرائيل، وإدارة الملف الإيراني.

وأضاف غباشي أن إدارة الرئيس بايدن كانت قد جاءت إلى البيت الأبيض وهي تحمل خطة للحد من التواجد الأمريكي في صراعات الشرق الأوسط والامتناع عن إرسال قوات عسكرية جديدة، مشيرا إلى أن أهم الملفات للولايات المتحدة هو إحياء الاتفاق النووي مع إيران لإبعاد خطرها عن إسرائيل ومنع طهران من امتلاك السلاح النووي.

كما أشار إلى أن الإدارة الأمريكية أعطت أولوية لمناطق أخرى غير الشرق الأوسط مثل آسيا والمحيط الهادئ وشرق أوروبا اقتصاديا وسياسيا، وإلى إفريقيا تنمويا، وأولت اهتماما بقضايا مستقبلية كالتغير المناخي والتنافس التكنولوجي والعلمي والعسكري مع بعض القوى الصاعدة.

وأوضح أن هذا التوجه الأمريكي جاء بهدف التفرغ لصراعها مع منافسيها الاستراتيجيين، وهو ما خلف فراغا سياسيا بالمنطقة، لكنه خلق في نفس الوقت مخاوف لدى واشنطن بأن يملأ منافسوها هذا الفراغ.

واستطرد غباشي قائلا إنه مع اندلاع الصراع الروسي الأوكراني عادت الولايات المتحدة مرة أخرى إلى الشرق الأوسط لقطع الطريق على روسيا وبعض الدول الأخرى مثل إيران وتركيا.

وبالنسبة للقضية الفلسطينية، أكد غباشي أن الدور الأمريكي تقلص للغاية واقتصر على ضمان حماية إسرائيل بالانحياز الكامل لها ورعاية ودعم الاتفاقيات الإبراهيمية بين إسرائيل والإمارات والبحرين والمغرب، دون أن تولى أي اهتمام لحل جوهر الصراع في الشرق الأوسط والمتمثل في القضية الفلسطينية.