أبو جلدة (أحمد حمد الحمود) والعرميط (صالح أحمد العرميط)هذان الإسمان يترددان في التاريخ الشفهي الفلسطيني، وذلك غداة قتلهما لضابط في الشرطة البريطانية في 22/ 5/ 1933. والقصص التي تروى عن البطلين أبي جلدة والعرميط تشبه حكايات حركة “الكف الأخضر” التي أسّسها أحمد طافش، في أواخر سنة 1929، ولم يلبث أعضاء هذه الحركة المعادية للبريطانيين أن تناثروا، بعدما فرَّ أحمد طافش إلى الأردن، فاعتقل وسلم إلى البريطانيين في فلسطين، فحكم عليه بالسجن 15عامًا.
بعد الحرب العالمية الأولى التي انتهت عام 1918 حدثت نزاعات عائليّة في فلسطين اختلفت العائلات في طرق مواجهتها للحركة الصّهيونيّة هل بالقتال أم بالمفاوضات والسّلم ،وحدثت صراعات بينها، شابها التّخوين والعداء ، وفي خضم ذلك برزت هاتان الشّخصيتان أبو جلدة والعرميط ، واللتان كانتا وحتّى الآن مغيّبتين عن أشهر وأبرز روايات التاريخ الفلسطيني في مقاومة الاحتلال البريطاني ، وكتب عنهما الشّاعر الفلسطيني هارون هاشم رشيد في كتاب تحت عنوان(أبو جلدة والعرميط ياما كسّرا برانيط)
هما فلاحان فلسطينيان أسّسا نواة خلية ثورية لمقاومة الانتداب البريطاني في فلسطين. وتعود جذور أبي جلدة إلى بلدة طمون شرقي نابلس، بينما رفيقه أبو العرميط من قرية بيتا جنوب نابلس.
شرع الإثنان في أوائل الثلاثينات بتشكيل أولى حركات مقاومة الانتداب البريطاني في فلسطين. وكانت حركة (أبو جلدة )من أقوى الحركات التي ألحقت أضرارًا بالغة في قوات الانتداب، كما أنها لم ترحم الفلسطينيين المتعاونين . هؤلاء وضعهم أبو جلدة ورجاله في صف الإنكليز والصهاينة، ووجهوا لهم ضرباتٍ قاسية في منطقة (جنين) خّاصةً، ووصلوا إلى ممتلكاتهم، وإليهم شخصيًّا .
وكان اسم أبي جلدة مثار رعب لجنود الإنجليز، وكبار جنرالاتهم، وللتابعين محليًّا لهم، فهو يضرب ويختفي، ولا يترك أثرًا ، ولذلك زُرعت عيون لمتابعته، ، ،وحاول الضباط البريطانيّون في نابلس استمالة العرميط وإغرائه بالعفو العام مقابل تسليم رفيقه أبي جلدة وإرشادهم إلى مكان وجوده، حيث طُلب من خاله (سليم حسن عديلي) إحضاره لمبنى الكشلة بنابلس للمقابلة وفق ضمانات للإفراج عنه، وقد ماطل العرميط في الرّد ليتمكن من الخروج، وكي لا يُغدر به ويتم اعتقاله، وعندما فشل الضباط في استمالة العرميط أو الوصول إلى أبي جلدة بدأوا ينشرون الإشاعات التي تقول بأنهم لصوص وقطاع طرق، وعلى الناس الحذر من عصابتهم ، وتبليغ مركز الشرطة عن أيّة أدلة أو معلومات تفيد في الوصول إلى قائد تلك العصابة كما أسمَوْها .
ووفقاً للروايات الشفويّة الشّعبيّة فإنّ الانتداب البريطانيّ جنّد أحد البدو ليلحق بأبي جلدة ثمّ يقوم بقتله أو تسليمه عندما تحين له الفرصة. وبعد شهرين من رفقته لهم حيث تعامل الثّوار معه كواحد منهم استغل هذا الرجل نوم الجميع وحاول الغدر بأبي جلده ، فانتبه العرميط للمؤامرة وأنقذ رفيقه.
مع فشل البدويّ في اغتيال أبي جلدة كثفت بريطانيا من ملاحقتها لأبي جلدة ، ولكن أبا جلدة ورفاقه كانوا على وعي كافٍ للخطر الذي يحيط بهم فعمدوا إلى تغيير أماكن تواجدهم باستمرار والتنقل الدائم بين الشمال والجنوب ، ووجدوا المساعدة من قِبل الفلّاحين ، وازدادت حركتهم قوّة وشهرةً ، وقاموا بعدّة عمليات لمقاومة البريطانيّين واليهود المستوطنين .
في عام 1933 وقع صالح العرميط و أحمد المحمود “أبو جلدة” في كمين محكم نُصب لهما بالتعاون مع أحد أقرباء أبي جلدة، وقامت بريطانيا باستدعاء خال العرميط (سليم حسين عديلي) لإخراجه وصاحبه أبو جلدة ومن معهم من المغارة التي اختبأوا فيها . وهكذا اقتيد الأبطال الى الاعتقال وهناك مكثوا في سجن المسكوبية بالقدس بانتظار حكم الإعدام.
في مذكّرات نجاتي صدقي وهو كاتب وناشط وطني فلسطيني ، يخبرنا أن (العرميط) طلب من أمّه أن تحضر معها خنجرًا ً في الزيارة القادمة لأنه سيضعه معه في قبره، وسيذبح به الخائن الذي وشى به! بينما كانت أخر كلمات أبي جلدة الذي تقدم إلى حبل المشنقة غير آبه بالضباط البريطانيين “بخاطركم يا شباب.. فلسطين أمانة في أعناقكم.. إيّاكم أن تفرطوا في حبّة رمل من أرض فلسطين”.
ولا زال أبو جلدة والعرميط حاضرين في الأهازيج الشعبية الفلسطينية والتي تقول إحداها:
قال أبو جـلـدة وأنا الطموني … كـل الأعادي ما بهموني
قال أبو جلدة وأنت العرميطي .. وأنا إن متت بكفيني صيتي
قال أبو جلدة يا خويا صالح . اضرب لا تخطي والعمر رايح
قال أبو جلدة وأنا العرميطي … والله من حكم الدولة لفظي
وأبو جلدة ماشي لحاله.. والعرميط راس ماله
وأبو جلده والعرميط .. ياما كـسروا برانيط.
أبو جلدة والعرميط كانا من عامة الشّعب الفلسطيني ، وأحسّا بما قد يلحق بهذا الشّعب من ظلمٍ وعدوانٍ ، واستيطان ، فهبّا يدافعان عن الأرض بطريقتهما الخاصّة ، وسجّلا تاريخًا مشرّفًا في نضال الشّعب الفلسطيني.