بدت بلدة حوارة الفلسطينية جنوب مدينة نابلس شمال الضفة الغربية على غير عادتها كأنها منطقة أشباح، حيث خلت من حركة المرور والمشاة، في حين أن محلاتها ومرافقها العامة مغلقة تماما.
وجاء ذلك في أعقاب فرض الجيش الإسرائيلي ليل السبت إغلاقا شاملا على مناطق جنوب نابلس وإغلاق الطرق المؤدية إلى المدينة والبلدات والقرى لمنع مرور المركبات الفلسطينية، بحسب ما أفادت مصادر فلسطينية وإسرائيلية.
وجرى الإغلاق عقب عملية إطلاق نار من مسلحين فلسطينيين عبر مركبة مسرعة الليلة الماضية أسفرت عن إصابة جنديين إسرائيليين في بلدة حوارة، فيما أعلنت كتائب أبو علي مصطفى الجناح العسكري للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين مسؤوليتها عنها.
وأثارت الحادثة التي جاءت مع مغرب ثالث أيام شهر رمضان مخاوف بين سكان حوارة من تنفيذ المستوطنين الذين تجمعوا قرب الشارع الرئيسي للبلدة هجمات على منازلهم وممتلكاتهم كما جرى الشهر الماضي.
وتقول ميرفت ضميدي (50 عاما) وهي أم لخمسة أبناء من بلدة حوارة لوكالة أنباء ((شينخوا)) إن سكان البلدة وجدوا أنفسهم الليلة الماضية مرة أخرى بدون أي إشعار مسبق عالقين في منازلهم وانتظروا مصيرهم المجهول.
وتضيف السيدة التي عاشت ساعات صعبة الليلة الماضية أعادت إلى أذهانها هجمات المستوطنين الشهر الماضي أن الجيش الإسرائيلي “منعها وأفراد عائلتها من الانتقال إلى مكان آخر أكثر أمانا في ظل تواجد مستوطنين على أطراف البلدة”.
وفي أواخر فبراير الماضي تعرضت حوارة لنحو 300 هجوم عنيف من قبل المستوطنين تمثلت في حرق منازل ومركبات وتحطيم نوافذ، في أعقاب إطلاق مسلح فلسطيني النار على سيارة قرب البلدة ما أدى لمقتل إسرائيليين شقيقين.
وأعلنت وزارة الصحة الفلسطينية وجمعية الهلال الأحمر في حينه عن مقتل سامح الأقطش (37 عاما) وإصابة أكثر من 300 آخرين بالاختناق جراء الغاز المسيل للدموع والكدمات بفعل “اعتداء قوات الجيش والمستوطنين”.
وفي حينه أفادت الشرطة الإسرائيلية في بيان باعتقال 6 مستوطنين يشتبه في تورطهم بأعمال الشغب وإحراق وتخريب ممتلكات في حوارة، مشيرة إلى أن بين المعتقلين أربعة بالغين وقاصرين جرى إطلاق سراحهم والإبقاء على اثنين رهن الاعتقال الإداري.
وتستذكر ميرفت ضميدي هجمات المستوطنين الماضية قائلة “أجبرنا على البقاء داخل منزلنا حتى بعد أن أشعل النار فيه ولم نكن نعرف ما إذا كنا سننجو أم لا لأن المستوطنين كانوا يصرخون ويتعهدون بإحراقنا”.
وتضيف ضميدي بينما تختلس النظر من النافذة “لا أحد يستطيع أن يعيش في مثل هذا الوضع الأمني غير المسبوق وسط التهديدات المستمرة التي تحيط بنا طوال الوقت لأننا لا نعرف ما إذا كنا سنبقى على قيد الحياة أم لا في اليوم التالي”.
وحاول مستوطنون إسرائيليون الليلة الماضية تنفيذ هجمات على الأطراف الشمالية لحوارة، لكن لجان الحراسة بالمقاومة الشعبية في البلدة من جهة وقوات الجيش الإسرائيلي من جهة أخرى أحبطوا تلك المحاولات، بحسب مصادر محلية وشهود عيان.
ويقول الشاب فراس ضميدي لـ (شينخوا)) إن عشرات المستوطنين تجمهروا على أطراف البلدة في محاولة تنفيذ هجمات جديدة إلا أن الشبان والعائلات جهزوا أنفسهم لمنع أي خطر يطال ممتلكاتهم.
ويشتكى فراس ضميدي (39 عاما) من أن إسرائيل تفرض على السكان إجراءات “تعسفية وعقابية تتمثل بإغلاق المحلات التجارية ومنعهم من ممارسة الروتين اليومي للحياة في البلدة”.
وتتكبد البلدة التي تبلغ مساحتها 990 دونما (الدونم يعادل ألف متر) ويقطنها قرابة 8 آلاف نسمة خسائر يومية جراء إغلاق نحو 500 محل تجاري على طول الشارع الرئيسي لحوارة نحو 1.2 مليون دولار، بحسب طايل حواري.
ويقول طايل حواري وهو رجل أعمال يمتلك عشرات المحال التجارية في البلدة لـ ((شينخوا)) إن “التجار ورجال الأعمال في حوارة ينتظرون شهر رمضان من عام لآخر”، معتبرا أن “الإجراءات الإسرائيلية المخالفة وغير المقبولة دفعتنا إلى خسارة الموسم”.
واتهم حواري المسؤولين الإسرائيليين بتبني خطاب “كراهية” ضد الفلسطينيين، مشيرا إلى أنه من الطبيعي أن يحول الإسرائيليون بمن فيهم الجيش والمستوطنون، بلدة حوارة الحيوية إلى منطقة “أشباح”.
وسبق أن دعا وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش وهو زعيم الصهيونية الدينية بداية الشهر الجاري، بحسب ما نشرت الإذاعة العبرية العامة “لمحو” بلدة حوارة الفلسطينية جنوب مدينة نابلس شمال الضفة الغربية.
وفي أعقاب هجوم فبراير الماضي على حوارة زار البلدة وفد من رؤساء البعثات الدبلوماسية الغربية في الضفة الغربية والقدس وأعضاء كنيست (برلمان) عرب إسرائيلي والممثل الأمريكي الخاص للشؤون الفلسطينية هادي عمرو وأعربوا عن تضامنهم مع سكانها وطالبوا بمحاسبة الفاعلين.
وفي الصدد أعرب نبيل ضميدي رئيس بلدية حوارة عن قلقه من تصاعد “اعتداءات” المستوطنين الذي يستغلون الأحداث الأمنية الميدانية على الفلسطينيين في البلدة والمناطق المجاورة لها.
وقال نبيل ضميدي لـ ((شينخوا)) إن المستوطنين “لن يترددوا في تنفيذ اعتداءاتهم بحق الفلسطينيين في محاولة لإجبارهم على ترك منازلهم وممتلكاتهم في ظل حماية قوات الجيش الإسرائيلي”.
وأضاف أن الشعب الفلسطيني يواجه حكومة إسرائيلية “يمينية يتبنى المسؤولين فيها خطاب الكراهية والقتل والتهجير ضد الفلسطينيين، ولذلك في المقابل نعمل على دعوة الوفود الأجنبية والدولية للتضامن مع البلدة وسكانها والثبات على أرضهم”.
وتأتي الأحداث رغم تأكيد مسؤولين فلسطينيين وإسرائيليين في 19 مارس الجاري عقب اجتماع حضرته وفود أمريكية ومصرية وأردنية في مدينة شرم الشيخ المصرية “التزامهم بتعزيز الأمن والاستقرار والسلام للإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء، وأقروا بضرورة تحقيق التهدئة على الأرض والحيلولة دون وقوع مزيد من العنف”.
وتصاعدت حدة التوتر بين الفلسطينيين والإسرائيليين في الضفة الغربية ما أدى إلى مقتل 90 فلسطينيا برصاص إسرائيلي منذ بداية العام الجاري، مقابل مقتل 15 شخصا في إسرائيل نتيجة هجمات فلسطينية، بحسب إحصائيات رسمية فلسطينية وإسرائيلية.