بعد زيارة عباس إلى بكين… تقرير: هل تدخل الصين على خط الوساطة الفلسطينية الإسرائيلية؟

مع دخول الصين كلاعب دولي رئيسي ومؤثر على مسرح الأحداث الدولية، شكلت زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) لبكين، قبل أيام، حلقة مهمة في تاريخ العلاقات العربية الصينية، وربما في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي.

وتكمن أهمية زيارة عباس للصين في استعداد بكين للتدخل والتوسط بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي لإحلال السلام بينهما، خاصة وأن الرئيس الفلسطيني لا يرى في الجانب الأمريكي طرفا محايدا، وأعرب عن أمله في توسط بكين بينه وبين الحكومة الإسرائيلية للتدخل وإحلال السلام مع تل أبيب.

وعلى الرغم من تجاهل العالم العربي للصين وإنشاء الرباعية الدولية لتحريك عملية السلام على خلفية تفجر الأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والتي تضم (أمريكا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وروسيا)، فإن الوقت قد حان لعودة الصين إلى إدارة علاقات جيدة مع العالم العربي والسماح لها بالتدخل في الصراع العربي الإسرائيلي.

فقد أجرى محمود عباس مباحثات ثنائية مع نظيره الصيني شي جين بينغ، خلال زيارة رسمية إلى بكين، استمرت 4 أيام، بحث الرئيسان خلالها آخر المستجدات فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية وما يتم بذله من جهود لدعم مساعي فلسطين للحصول على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة.

وتناولت مباحثاتهما إصدار فتوى من محكمة العدل الدولية حول قانونية النظام الذي أقامته إسرائيل “الأبارتهايد” (نظام الفصل العنصري) على أرض فلسطين، كما تأتي الزيارة بعد أيام من عرض الصين مساعدتها للقيام بدور الوسيط بهدف إحياء محادثات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

في وقت تتزامن زيارة عباس إلى الصين مع الاحتفال بالذكرى الـ35 لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين وفلسطين، إذ أكد محمود عباس أن حضور الصين في القمة العربية الصينية الأخيرة التي عقدت في السعودية كان مؤشرا عظيما، ومبشرا بأن الصين دخلت إلى البلاد العربية من خلال تلك القمة، معربا عن أمله استمرار هذه المشاركة في القمم العربية القادمة.

لم يكتف الرئيس الفلسطيني بذلك، بل أعرب عن أمنيته في أن تؤدي الصين دورا مهما في الوساطة مع إسرائيل، معتبرا إياها دولة نزيهة في المصالحة مع تل أبيب، قائلا: إننا نمد يدنا ونوافق على أن تبذل الصين جهودها ونأمل أن توافق إسرائيل على الوساطة الصينية لأن مصلحتها أن ترى السلام يعم في الشرق الأوسط والعالم وهذا لا يوجد عند كثير من دول العالم.

وخلال اتصال هاتفي مع نظيره الفلسطيني رياض المالكي، أكد وزير الخارجية الصيني، تشين جانغ، في شهر أبريل الماضي، أن بكين تولي أهمية كبرى للقضية الفلسطينية وستواصل دعم محادثات السلام، مؤكدا أنها ستساهم بـ”الحكمة الصينية” في دعم محادثات السلام لحل القضية الفلسطينية “العادلة” في الاتجاه الصحيح.

وشدد تشين جانغ على أن الصين ستواصل دعم القضية العادلة للشعب الفلسطيني لاستعادة حقوقه المشروعة.

يشار إلى أن بكين تسعى لأداء أدوار وساطة في منطقة الشرق الأوسط، خاصة وأن تلك الوساطة قد أثمرت عن توقيع اتفاق تاريخي بين إيران والسعودية في شهر مارس الماضي، بشأن استئناف البلدين علاقاتهما الدبلوماسية، مع التأكيد على أن الصين ترسل مبعوثين إلى إسرائيل والأراضي الفلسطينية من وقت إلى آخر.

وكان الرئيس الصيني قد زار السعودية، في شهر ديمسبر الماضي، حيث التقى الرئيس الفلسطيني وتعهد بـ”السعي من أجل حل مبكر وعادل ودائم للقضية الفلسطينية”، وذلك خلال القمة العربية الصينية، أوضح خلالها مسؤولون فلسطينيون أن “الصين وفلسطين صديقتان أقرب من الأشقاء، وبكين بدأت تأخذ دورا أكبر بكثير من الماضي في منطقة الشرق الأوسط منذ القمة العربية الصينية”.

وتؤمن الصين بأن الشعب الفلسطيني يعاني الظلم وليس من العدل الاستمرار في هذه المعاناة، فقد أعرب الرئيس الصيني عن استيائه من الظلم الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني، وذلك خلال خطابه في القمة الصينية العربية.

وأثناء لقائه بالرئيس عباس في زيارته لبكين، أعاد شي جين بينغ، التشديد على معاناة الشعب الفلسطيني ودعم الصين للقضية الفلسطينية. تاريخ إيجابي سبق للصين أن حاولت من قبل التدخل في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

فقد عرضت مساعيها لتسهيل المباحثات بين الجانبين خلال السنوات الماضية، بدأتها بمباحثات مكثفة في الأعوام 2003 و2006 و2013 و2017 وتركزت في أغلبها على وجوب إقامة “دولة فلسطينية” مستقلة عاصمتها القدس الشرقية على حدود العام 1967.

وتمحورت هذه المباحثات أيضا حول وجوب وقف البناء الاستيطاني وإدارة مفاوضات وحوارات بنّاءة، بالإضافة إلى احترام الوضع التاريخي للأماكن المقدسة في مدينة القدس المحتلة.

وبعيد وساطتها في عودة العلاقات بين السعودية وإيران، فإن التدخل الصيني بين الفلسطينيين والإسرائيليين أضحى أمرا واقعيا وملموسا، خاصة وأن المفاوضات التي كانت تديرها الولايات المتحدة الأمريكية وحدها بين الجانبين قد توقفت في العام 2013، ولم تأت بجديد، في وقت تعد محاولة تدخل بكين في هذا الصراع وسيلة ضغط مناسبة على الإدارة الأمريكية لإعادة استئناف المحادثات بين الجانبين.

وعلى النقيض، لا ترغب تل أبيب في تدخل الصين بينها وبين الجانب الفلسطيني، كون إسرائيل حليفا رئيسيا واستراتيجيا لأمريكا، وقبول تل أبيب بالوساطة الصينية يعني الإضرار بالعلاقات الإسرائيلية الأمريكية، مع الإشارة إلى تخوف واشنطن لأكثر من مرة من تدخل الصين في البنى التحتية الاستراتيجية الإسرائيلية وتوغلها في هذا السياق، ما اضطر إلى عقد أكثر من جلسة بين الجانبين الإسرائيلي والأمريكي، في محاولة لتفهم التدخل الصيني في البنى التحتية الإسرائيلية وأثره على العلاقات بين واشنطن وتل أبيب، حيث نادت الأولى بابتعاد تل أبيب عن الصين.

ومع زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) للصين، تظهر بودار دور صيني أعمق في ملف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، خاصة مع الاعتراف بـ”حيادية” النموقف الصيني، واعتراف أكثر من مسؤول فلسطيني بأن الضغوط الأمريكية التي تمارسها على السعودية، على سبيل المثال، من أجل التطبيع مع إسرائيل، تؤكد أن أمريكا فقدت أهليتها في أن تكون راعيا ووسيطا لعملية السلام.

ومن هنا، فإن عرض الرئيس الصيني رؤية بلاده بشأن القضية الفلسطينية، تعد الأقرب إلى الفلسطينيين، خاصة وأنها “تتكون من 3 نقاط لحل القضية، تتمثل في إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة كاملة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، ثم ضمان احتياجات فلسطين اقتصاديا ومعيشيا، مع زيادة المجتمع الدولي للمساعدات الإنمائية والإنسانية لفلسطين”.

والواضح أن الرئيس الصيني شي جين بينغ، لم يكتف بذلك، بل أعرب عن استعداد بلاده لأدء دور إيجابي لتحقيق المصالحة الداخلية الفلسطينية ودفع مفاوضات السلام، وهو ما يلقى قبولا واستحسانا كبيرا لدى الطرف الفلسطيني.