القطبية المتعددة.. موقع أمريكي: تبدل الجغرافيا السياسية في رحلة شي جين بيينغ إلى السعودية

رداً على زيارة الرئيس الصيني إلى السعودية، قال جون كيربي المتحدث الرسمي باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي إن السعودية تبقى حليفاً رئيساً، وأصدرَ تحذيراً إلى الصين. وقال إن أمريكا “لا تطلب من الدول الاختيار ما بين الولايات المتحدة الصين”.

 

لم تَعُد الدول العربية تتبع السياسة الخارجية الأمريكية. وما زال النفط والأمن عاملين بالغي الأهمية في المنطقة

 

ورغم ذلك، فقد وَصَفَ “تصرفات” بكين بأنها “لا تساعد على الحفاظ على النظام الدولي القائم على سيادة القانون”. ويشير الإلحاح الذي دعا البيت الأبيض إلى إصدار هذا التحذير، إلى المشهد الجيوسياسي المُتحوِّل، وذلك حسب افتتاحية الموقع الأمريكي “تيب إنسايتس”.

 

ميدان مُتكافئ

 

وقالت الافتتاحية: استقبلت الرياض الرئيس الصيني بالأحضان ومدت له البساط الأحمر (والواقع أنه كان أرجوانيّاً)، في إشارة إلى أنّ الصين شريك مهم لدى السعودية وعلى قدم المساواة مع أمريكا، أو على الأقل لا تقل عنها قدراً.

 

غير أنّ مستوى الأريحية والصداقة الحميمة بين الرئيس شي وولي العهد الأمير محمد بن سلمان من المُقدر له أن يكون مختلفاً. والسبب في ذلك، وفق الموقع الأمريكي، أن الدولتين والقائدين لديهما قواسم مشتركة، من بينها التزام الرياض وبكين بقاعدة “عدم التدخل في السياسات الداخلية”.

 

علاقات مُحفِّزَة

 

وأضافت الافتتاحية: وراء ذاك القبول تكمن العلاقات التجارية المزدهرة. فالسعودية تُعدُّ اليوم أكبر مُورِّد للنفط إلى الصين، إذ حلّت محل روسيا. وأمريكا لم تَعُد أكبر شريك تجاري للسعودية، وإنما حلّت الصين محلها. وفي عام 2021، بلغت قيمة تجارة البلدين الثنائية نحو 87 مليار دولار.

 

وفي المُقابل، اقتنعت السعودية بمبادرة الحزام والطريق الطموحة للرئيس شي جين بينغ. وتبني الشركات الصينية حاليّاً مشروعات عملاقة، وتعكف على إنشاء بنية تحتية لتقنية الجيل الخامس من الاتصالات في السعودية. ووقَّعَت شركة تشاينا موبايل إنترناشيونال صفقةً بغية “الارتقاء بمنظومة وسائل الإعلام الرقمية في السعودية”. وباعت بكين طائرات مُسيرة ومقاتلات حربية وغير ذلك من الأسلحة الاستراتيجية للرياض.

 

وبذلك أمست الاحتياطات الضخمة من النفط والغاز الطبيعي للدولة العربية وموانئها الدولية وأسواقها المالية عوامل جذب كبيرة للصينيين.

 

ولكن، يكاد يكون من المؤكد أنّ الرئيس شي تراوده أحلام أكبر بكثير من الصفقات التجارية المُجزية والرأي العام الإيجابي. فبكين تسعى إلى تعزيز أركان وجودها الجيوسياسي. وهي تنوي منافسة نفوذ واشنطن. وتُشير زيارة الرئيس شي في فترة ولايته الثالثة إلى منطقة الشرق الأوسط إلى نواياه هذه.

 

ما وراء السعودية

 

لا تقتصر جهود الرئيس شي على عقد اجتماعات رفيعة المستوى مع المسؤولين السعوديين وحسب. ففضلاً عن القمة الثنائية، ترأس هو وولي العهد محمد بن سلمان قمةً صينية-خليجية مع دول مجلس التعاون الخليجي. وعقد اجتماع أيضاً بين شي وبين قادة جامعة الدول العربية. ووقعت خلال الزيارة اتفاقيات شراكة استراتيجية.

 

شريك أمنيّ

 

اعتادت السعودية أن تكون ساحة عمليات أمريكا في منطقة الشرق الأوسط. وما زالت الولايات المتحدة شريكاً أمنياً أساسيّاً للرياض. ولكن، على مدار العقود القليلة الماضية، حدثت توترات في العلاقات بين الدولتين.

 

فقد ساءَ الرياض استبعادها من الصفقة النووية الإيرانية وأفضى قرار أوبك بلس بخفض إنتاج النفط، مُتجاهلاً طلب واشنطن، إلى فتور العلاقات مجدداً.

 

ورغم الكثير من التحديات، استطاعت واشنطن والرياض أن تَحُولا دون قطع العلاقات بينهما تماماً. فما زالت المملكة بحاجة إلى القوة العسكرية لأمريكا لمواصلة حماية نفسها من أعدائها في المنطقة. وما زال النفط والأمن عاملين بالغي الأهمية في المنطقة.

 

وبالنظر إلى الوقائع، ما زالت احتمالات أنْ تحل بكين محل واشنطن عند العرب محض تخمينات، برأي الافتتاحية. على الولايات المتحدة أن تضع حداً لتراجع نفوذها بغية حماية النظام الدولي القائم على سيادة القانون. وأخيراً، سُتحدد نتيجة اجتماعات شي وولي العهد السعودي مسار المشاركة الأمريكية في العالم العربي.