كشفت صحيفة “الغارديان” البريطانية، عمّا أسمتها بلعبة “صراع العروش” استعدادًا لمرحلة ما بعد رحيل الرئيس الفلسطيني محمود عباس عن منصبه، مؤكدة أن المرحلة التالية لزعامة السلطة الفلسطينية تثير”سؤالًا محيرًا” عن خليفة عباس المحتمل وطريق تعاطيه مع ملفات بالغة التعقيد داخليًا وخارجيًا.
وقالت الصحيفة في تقرير نشرته، اليوم الإثنين، إنه “في يناير 2005، أطلق محمود عباس، الذي كان وقتها يبلغ من العمر 70 عامًا، حملته لرئاسة السلطة الفلسطينية، ورغم أنه لم يكن يملك أي كاريزما تقترب من سابقه الراحل ياسر عرفات، إلا أنه كان موضع ترحيب بوصفه إصلاحيًا، ورجل سلام”.
وأضافت: “محمود عباس المعروف باسم أبو مازن، فاز بالرئاسة بهامش كبير بعد ذلك بأسابيع قليلة، وبوصفه المهندس الرئيس لاتفاقات أوسلو، فقد حظي بقبول الإسرائيليين والأمريكيين، على العكس من عرفات، حيث أدان بوضوح العنف خلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية”.
مستقبل عكس التوقعات
وتابعت الصحيفة: “كان مستقبله ومستقبل فلسطين بشكل عام يبدو واعدًا، ولكن بعد عام، ونتيجة الصراع الداخلي في حركة فتح على قائمة المرشحين في الانتخابات، نجحت حركة حماس في الفوز بالانتخابات البرلمانية، ما تسبب بحرب أهلية قصيرة أدت إلى فقدان السلطة الفلسطينية للسيطرة على قطاع غزة، أما ما بقي من ولاية عباس في السلطة فكانت عبارة عن حاكم مستبد يسعى للاستمرار في السلطة”، وفق التقرير.
واستطردت “الغارديان”: “الآن وبعد عقدين من الزمان، لم تعد اتفاقات أوسلو تعالج الواقع السياسي على الأرض، وغرقت حركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية في الفساد، ولا تملك حركة فتح أو منظمة التحرير إلا القليل من الدعم في أوساط الأجيال الشابة، كما أن السلطة الفلسطينية التي تشرف عليهما تعمل مع إسرائيل في قمع الشعب الفلسطيني”.
وبحسب الصحيفة، فإن قوات السلطة الفلسطينية تلاحق النشطاء والصحفيين وحتى المواطنين العاديين الذين يجرأون على كتابة تعليقات تنتقد السلطة على مواقع التواصل الاجتماعي، في الوقت الذي شدد فيه عباس قبضته على المؤسسات وقام بتهميش البرلمان الفلسطيني المجمد.
حالة عباس الصحية
وأضافت الصحيفة: “الآن، ومع وصول عباس إلى عامه السابع والثمانين، واعتلال صحته، فإن الرئيس المدخّن للسجائر دخل إلى المستشفى مرتين، الصيف الماضي، وبدأت الشائعات تنتشر حول حالته الصحية. ولكن المرحلة الحالية لعباس تمثل سؤالًا محيرًا، فلم تجر انتخابات فلسطينية منذ 16 عامًا، ولم يعيّن عباس خليفة له، ولا يؤمن كثيرون بالاتفاق الذي تم التوصل إليه في الجزائر، الأسبوع الماضي، ويقضي بإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية خلال عام”.
وتابعت أنه “وفي غسق ولاية مخيبة للآمال، ليس من الواضح ماذا سيحدث في الأيام والأسابيع التي تلي وفاة عباس أو تركه للمنصب، وهناك العديد من السيناريوهات المرشحة للحدوث، وبعضها عنيف، وهو ما يجعل الدولة الفلسطينية التي تكافح من أجل وجودها منذ القدم بعيدة المنال أكثر من أي وقت مضى”.
ونقلت الصحيفة عن ناصر القدوة، الذي تم طرده من اللجنة المركزية لحركة فتح، العام الماضي، بعد رفضه لقرار عباس بإلغاء انتخابات 2021، قوله: “الشيء الواضح في أبومازن أنه رجل بعاطفة قوية، إنه يحب بشدة ويكره بشدة، وهذه أهم صفاته، ويمكن من خلالها تحديد شخصيته”.
وأضاف: “كان في ظل ياسر عرفات لمدة 15 أو 20 عامًا، وعندما رحل، سنحت له الفرصة كي يبزغ وينتقم”، على حد قوله.
ورأت “الغارديان” أن “حكم عباس عبارة عن شبكة من المتناقضات، فهو مدبر المؤامرات داخل المقاطعة في رام الله، بين الحلفاء والتابعين داخل دوائر فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية والسلطة، كما أنه يحظى باحترام نظرائه الدوليين الذين لا يزالوا يشيدون بدوره المحوري في اتفاقات السلام في التسعينيات”.
واعتبرت الصحيفة، أن الوضع في الداخل الفلسطيني مختلف، حيث “يتعرض الرئيس للسخرية باعتباره غير كفؤ ومتناقض، وفي إسرائيل لم يعد يُنظر إليه كشريك في السلام، ولكن باعتباره حصنًا مضادًا لحركات مثل حركتي حماس والجهاد الإسلامي، فإنه أيضًا لا يتم النظر إليه بوصفه عدوًا”.
ونقلت عن جبريل الرجوب، الأمين العام للجنة المركزية لحركة فتح، والمقرب من عباس، قوله: “نظامنا ليس نموذجًا أفلاطونيًا، وهناك العديد من الأسباب، لذلك أبومازن هو الزعيم الفلسطيني الوحيد الذي يتمتع بشرعية منتخبة، إنه الوحيد الذي يستطيع ويجب أن يقود، بينما منتقدوه متحررون من القيود التي يعمل في ظلها”، وفق تعبيره.
خلفاء أبومازن المرتقبون
وأشارت الصحيفة إلى أنه في حال استقالة أبومازن من منصبه أو وفاته، فإنه بموجب القانون الفلسطيني، من المفترض أن يصبح رئيس مجلس النواب رئيسًا مؤقتًا، وسيتم إصدار مرسوم بالانتخابات خلال 60 يومًا، ومع ذلك، فإن الانقسام بين فتح وحماس منذ 2006 يعني أن هذا السيناريو شبه مستحيل، ولا توجد آليات مؤسسية واضحة لإدارة انتقال السلطة.
وقالت الغارديان، إنه من المتوقع -على نطاق واسع- أن يصبح حسين الشيخ، أحد أنصار عباس، والذي تم تعيينه أمينًا عامًا للجنة التنفيذية بالسلطة الفلسطينية، في مايو/ أيار الماضي، رئيسًا للسلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية أيضًا، رغم أن الرجل البالغ من العمر 60 عامًا لا يحظى بشعبية، وسبق اتهامه بالفساد والاعتداء الجنسي، وهي اتهامات نفاها بشدة.
ونقلت الصحيفة عنه في مقابلات سابقة، قوله إنه “يجب انتخاب الزعيم الفلسطيني المقبل، لكن فقط إذا سمحت إسرائيل لسكان القدس الشرقية المحتلة بالتصويت، وهو أمر غير مرجح”، كما شدد على أهمية علاقة السلطة بإسرائيل، و”تم تفسير زيارته لواشنطن، في وقت سابق من هذا الشهر، على أنها بمنزلة دعم من البيت الأبيض له كي يكون خليفة أبومازن”.
ولفتت إلى أن هناك منافسين آخرين على منصب رئيس السلطة الفلسطينية من بينهم، رئيس المخابرات العامة الفلسطينية ماجد فرج، ونائب رئيس حركة فتح محمود العالول، ومروان البرغوثي، المسجون لدى إسرائيل، والذي يحظى بشعبية كبيرة في الشارع الفلسطيني، إضافة إلى محمد دحلان، اللاعب الإقليمي البارز والنافذ، الذي يملك علاقات مع الحركات المسلحة في الضفة الغربية وغزة.
إسرائيل تترقب
ورصد تقرير “الغارديان” بعض السيناريوهات، ومن بينها أن يؤدي الصراع على السلطة داخل حركة فتح إلى تأجيج موجة العنف التي تجتاح الضفة الغربية، أو حرب أهلية أخرى مع حماس، أو انتفاضة ضد السلطة، أو انتفاضة ثالثة ضد إسرائيل، وكلها احتمالات قائمة في حالة حدوث فراغ كبير في السلطة، لكن الصحيفة أكدت أن إسرائيل تستعد لكل هذه الاحتمالات.
وقالت إن صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية، كشفت مؤخرًا عن خطة للجيش الإسرائيلي، تحمل الاسم الرمزي (غروب الشمس)، في التعامل مع الفترة التالية لوفاة عباس، بما في ذلك انتشار كبير للقوات في جميع أنحاء الضفة الغربية، وعمليات محتملة لإنقاذ المستوطنين الإسرائيليين غير الشرعيين.
وأضافت أن “هناك خطة ثانية، يشار إليها باسم (صراع العروش)، والمصممة لمواجهة الموقف الذي تحاول فيه الجماعات الفلسطينية المسلحة والفصائل السياسية المتنافسة السيطرة على مناطق مختلفة من الضفة الغربية”.
ونقلت عن حنان عشراوي، التي استقالت من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، في العام 2020، قولها إن “الوضع في منحدر غامض. وهذا ليس خطأ عباس بالكامل، نحن نعيش في ظل احتلال وحشي، وقد تم عمل كل شيء لإخفاق السلطة الفلسطينية وتقديمها كمقاولين من الباطن من أجل الأمن الإسرائيلي”، بحسب قولها.