الشهيد عمر مناع.. صانع الخبز الجميل وصاحب الوجه الضحوك

ارتقى الشاب الخلوق عمر يوسف مناع”23عامًا” شهيدًا برصاص الاحتلال الإسرائيلي فجر الخامس من الشهر الجاري، حينما أقدمت قوة عسكرية إسرائيلية كبيرة لاقتحام مخيم الدهيشة للاجئين، وداهمت عدداً من منازل المواطنين فكان منزل عائلته أحد هذه المنازل من أجل اعتقال شقيقه يزن الذي يكبره بعام واحد.

وعندما دخل الجنود إلى البيت وقاموا كعادتهم بالاعتداء على سكانه بشكل فظ، وبحثوا عن يزن بهدف اعتقاله واخضعوه بحسب ما يقوله والده يوسف لـ”القدس” دوت كوم، لتحقيق ميداني قبل أن يصحبوه معهم وحينها استشاط عمر غضبًا وصرخ في وجه الجنود طالباً منهم بعدم اعتقاله، ولكن الرد من قبل هؤلاء الجنود كان أعنف وطلبوا الهدوء من سكان المنزل ومن ثم خرجوا ومعهم يزن ذلك الشاب الذي سبق وأن اعتقل لمدة عامين على الأقل.


حكاية الاستشهاد
وعلى ما يبدو فإن عمر لم يتحمل اعتقال شقيقه، فخرج بعد دقائق من المنزل وراء الجنود الذين ذهبوا إلى منزل شهاب مزهر أحد الأسرى المحررين الذي يستهدف دائماً بالاعتقال، ويقع هذا المنزل بجوار مدرسة الدهيشة التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين.

ونظراً لكثافة المواجهات التي شنها الشبان بالحجارة قرر الجنود قص سياج المدرسة والدخول إليها ومعهم شهاب لينفذوا من ساحتها إلى الشارع الرئيس القدس/الخليل المحاذي للمخيم حيث الاتهم الجرارة كانت بانتظارهم، ومن أجل تأمين خروج الجنود كان عدد منهم قد استحكم في غرفة مخصصة لحراس المدرسة وهي تطل على الشارع وكان الشبان يلقون الحجارة باتجاه دوريات الجنود وخلفهم غرفة الحراسة،

حيث الجنود المستحكمين هناك باغتوهم وأطلقوا النار بشكل جنوني عليهم، ما أدى إلى إصابة الشهيد يزن بأربع رصاصات في المنطقة العليا من الجسد، وعندما حاول الشبان المتواجدين مع الشهيد سحبه وإبعاده من المكان، تمهيدًا لنقله إلى المستشفى أصبح الرصاص عليهم ينهمر كالمطر، ومع ذلك لم يمنعهم من استمرار محاولة سحب عمر في إصرار على التضحية والاستبسال فقام الجنود بإصابة خمسة شبان اخرين بالرصاص بينهم الشاب محمد شمروخ الذي اصيب برصاصتين في منطقة الحوض ما ادى الى انقطاع شريان رئيسي حسب مصدر طبي في جمعية بيت لحم العربية جرى دعمها بنحو 16 وحدة دم حتى تمكن الاطباء من السيطرة على النزيف الذي وصف بالمرعب، وحالته لا زالت خطيرة وهو تحت العناية الحثيثة، فيما وصفت جراح الشبان الاخرين ما بين متوسطة وخطيرة.

حديث الشارع
حالة استشهاد عمر وإصابة أقرانه الخمسة كانت حديث الشارع في مخيم الدهيشة وبيت لحم، نظرًا لدموية سلوك الجنود وهو سلوك فاشي اعتاده الشعب الفلسطيني في حالات الإعدام الميدانية العديدة، والتي معظمها لك يكن تحت مجهر التصوير كما حصل في حالة الشهيد عمار مفلح في حوارة قبل عدة أيام.

مكان الاستشهاد حوله الشبان إلى مزار حيث حوط ببعض الطوب وزرع مكانه زهورًا واصبح الجميع يذهب إليه ويستمع إلى قصة القتل الشنيعة.

وكل ذلك يضاف إلى السيرة الحسنة التي يتمتع بها الشهيد عمر، والذي يعرفه جمهور كبير من المخيم وخارجه فهو يعمل في مخبز عمه ويصنع الخبز وقد انتشر شريط فيديو بعد استشهاده وهو يقوم بتحضير العجينة بشكل احترافي، إضافة إلى امتيازه بضحكة وابتسامة تمتع بها لينشرها في وجه كل من قابله سواء في الشارع أو في المخيز حينما يتأنون لشراء الخبز فكتب.

 وقيل عنه وعن صفاته الكثير بهذا الاتجاه فكتبت فيرا بابون رئيسة بلدية بيت لحم السابقة، والتي جرى تعيينها مؤخرًا سفيرة فلسطين في التشيلي تقول “وغادرنا صانع الخبر الجميل عمر مناع سماءه شهيداً، غادر المخيم والمدينة والوطن ليحضنه تراب أرضنا، الرحمة لروحه وعزائنا لأهله ولشعبنا”.

جذور العائلة 

ينتمي الشهيد عمر إلى عائلة مناضلة أباً عن جد، حيث كان والده يوسف البالغ من العمر (55عاماً) قد أصيب برصاص الاحتلال في إبان الانتفاضة الأولى، ومن ثم اعتقل لعدة سنوات في سجون الاحتلال، ويصفه كل من عرفه بأنه صلب وبأخلاق عالية، وقبل ذلك والده حسن جبريل مناع كان قد اعتقل لأكثر من أربع سنوات في سجن الجفر الأردني ومثلها في سجون الاحتلال، وهو صاحب مواقف وطنية حادة في وجه كل محاولات التشكيك في مواجهة الاحتلال ومدى جدواه وهو من الوجوه الوطنية المعروفة في كل المجالات، بما في ذلك مجالات إصلاح ذات البين، وعندما توفي قبل أكثر من نحو عشرين سنة نعته القوى والفعاليات والمؤسسات، مشيدة بمناقبه ومواقفه الوطنية بامتياز.

كما اعتقل أشقاء يوسف في سجون الاحتلال، إضافة إلى اعتقال يزن لأكثر من مرة، أما عمر الشهيد فقد أطلق سراحه قبل عدة أشهر بعد اعتقال استمر سنة ونصف، جعله هذا الاعتقال الابتعاد دامعته ولو مؤقتاً، حيث فضل أن يعمل في المخبز ليستجمع قسط الجامعة ويعود إليها إلا أن رصاصات الاحتلال الغاشمة سارعته قبل أن ينجز مهمته.

خلال جنازة عمر أصرت الوالدة الصبورة أم يزن أن تحمل في نعشه وكانت تقول كلمات مؤثرة “إلى اللقاء يا صديقي وحبيبي عمر، طلبت الشهادة فنلتها، كنت بطلاً وإنساناً وحنوناً، كيف لنا أن نتحمل غيابك ولمساتك في داخل المنزل ولكن روحك سأبقى ترفرف فوق رؤوسنا عالياً”.

في صباح هذا اليوم تلقى يوسف اتصالاً هاتفياً من ولده يزن في سجن عوفر، حيث لم يكن ليعلم عن حادثة الاستشهاد فقام يوسف بالشد من آزره، إنها لحظات مؤثرة لا يمكن وصفها بحسب عدد من أصدقاء الأب المكلوم”.