بدأت تصدر اعترافات إسرائيلية متلاحقة بالمسؤولية عن التوتر الذي يشهده حي الشيح جراح بالقدس المحتلة، ليس بالضرورة تعاطفا مع الفلسطينيين، ولكن خشية من أن يتسبب هذا التوتر بدخول الاحتلال في جولة مواجهة عسكرية مفتوحة مع المقاومة الفلسطينية، في وقت لم يتعاف فيه بعد من حرب غزة الأخيرة.
وتركزت الاعترافات الإسرائيلية الأخيرة في الدور الذي تلعبه المؤسسة القضائية الإسرائيلية التي تغض الطرف عن تزوير الوثائق الخاصة بملكية المنازل في حي الشيخ جراح، ويقدمها المستوطنون، أو مسؤولية العناصر اليمينية التي تريد فرض أجندتها على الحكومة، لاعتبارات حزبية وسياسية داخلية بحتة، في حين أن الحكومة لديها حسابات داخلية وخارجية، ولا تريد أن تدخل في مواجهة مع الفلسطينيين في توقيت لا تريده هي.
وذكر بن درور يميني، الكاتب بصحيفة “يديعوت أحرونوت”، أن “العناصر اليمينية تفرض أجندتها في حي الشيخ جراح، ممثلة بعضو الكنيست اليمين إيتمار بن غفير، الذي يجر الدولة بأسرها لمواجهة أخرى غير ضرورية”.
وأضاف أنه “أكثر من ذلك، فإن بن غفير بسلوكه الأرعن هذا، فتح عيون فلسطينيي48 للمطالبة بشروط ومطالب جديدة داخل الخط الأخضر، لأننا لم نعد أمام مسألة قانونية، بل سياسية بحتة، وجرح نازف أصبح في السنوات الأخيرة محط تركيز كبير في الحملات ضد إسرائيل”.
وقال إنه “ليس من قبيل الصدفة أن الغالبية العظمى من الحملات السياسية والإعلامية والدعائية الموجهة ضد إسرائيل تركز على حي الشيخ جراح، ولابد من الاعتراف، بأنه لا توجد لدي إجابات مقنعة للرد على هذه الحملات، إلى الدرجة التي بت أشعر فيها أن إسرائيل ذاتها تصر على إيذاء نفسها من خلال الاستمرار في أزمة الشيخ جراح بين حين وآخر، حتى أصبحت “ملحمة” الشيخ جراح منبع وقود الدعاية المناهضة لإسرائيل”.
ومع مرور الوقت، فقد بات الإسرائيليون يدركون أنهم وقعوا في شرك حقيقي بالفعل بسبب سياستهم ضد الفلسطينيين، زاعمين أن الفلسطينيين ليسوا ساذجين كي يفرطوا بهذه “الثروة الدعائية” التي تمثلها قضية حي الشيخ جراح، في حين أن إسرائيل بكل حكوماتها المتعاقبة كما يبدو “استسلمت للعناد اليميني المتطرف، بدلاً من إطفاء النار، بل إن كل اقتحام يقوم به عضو الكنيست إيتمار بن غفير للمسجد الأقصى أو حي الشيخ جراح يمثل هدية ثمينة أخرى لدعاية الجهات المعادية لإسرائيل”، وفق قوله.
وصحيح أن هناك توجهات إسرائيلية للاحتيال على القانون لانتزاع ملكية المنازل الفلسطينية في حي الشيخ جراح، استنادا لقانون الترتيبات القانونية والإدارية لعام 1970، لكن الظروف التي نشأت في السنوات الأخيرة، لن تقنع الفلسطينيين ولا أنصارهم في المجتمع الدولي بأنهم أمام مخاصمة قانونية بحتة، وبالتالي فليس هناك ما يبرر حرمانهم من حيازة ممتلكاتهم في القدس، ومنحها للمستوطنين اليهود بزعم وجود أحكام قضائية، لأنهم في هذه الحالة سيكون من حقهم المطالبة بممتلكاتهم في يافا.
وفي الوقت ذاته، ورغم أن الاستيطان اليهودي يحقق رؤية “دولة واحدة كبيرة”، فإن أحداث حي الشيخ جراح في الآونة الأخيرة تجعل الإسرائيليين يعيشون حالة من “الرعب”، وفق توصيف إسرائيليين، لأن مجموعة صغيرة متطرفة من أقصى اليمين تملي جدول أعمالها على الدولة، بحسب غضبهم.
وختم بالقول: “في الأيام الأخيرة، أصبح بن غفير نجما إعلاميا، لأنه يجر الدولة لمواجهة أخرى غير ضرورية، وكأننا بصدد استعادة أيار/ مايو 2021، حين أطلقت صواريخ حركة حماس على القدس، واليوم يصب هو ذاته، ومن خلفه نتنياهو الزيت على النار”.