بقلم: المحامي علي أبو هلال
تحاول سلطات الاحتلال الإسرائيلي بعد الإقرار بمسؤولية قواتها العسكرية عن قتل المسن عمر أسعد بدفع تعويض لأسرة الشهيد، بدلا من محاكمة الجاني الذي أرتكب هذه الجريمة بدم بارد. حيث قررت تعويض عائلة الشهيد المسن، عمر أسعد، من قرية جلجليا شمال رام الله، بمئات آلاف الشواكل وذلك مقابل إغلاق ملف هذه الجريمة.
ووفقا لهيئة البث الإسرائيلي (“كان 11”)، فإن سلطات الاحتلال أقرت مبلغا بقيمة 500 ألف شيكل كتعويض لعائلة الشهيد عمر أسعد (80 عاما)، الذي ترك حتى الموت بعد الاعتداء عليه بالضرب بقسوة وعنف من قبل قوة تابعة لجيش الاحتلال الإسرائيلي شمالي مدينة رام الله في الضفة الغربية المحتلة. وذلك مقابل إغلاق ملف القضية بينه وبين عائلة الشهيد.
استشهد المسن عمر أسعد يوم 12 كانون الثاني/يناير 2022 بعد احتجازه والاعتداء عليه بالضرب بعنف بعد أن قامت قوات الاحتلال بضربه وتقييد يديه، ثم تركته ملقى على الأرض وهو ينزف داخل منزل قيد الإنشاء، ما أدى إلى استشهاده في وقت لاحق آنذاك.
وكان الشهيد عائدا الى منزله بعد زيارة أحد اقربائه عند الساعة الثانية فجرا، حيث أوقفته قوة عسكرية إسرائيلية، وقامت بإنزال المسن من مركبته بطريقة همجية، سُحل لمسافة 200 متر، وبدأت بضربه بأعقاب البنادق والركل بالأرجل، وقُيّدت يداه، وتركته على الأرض لنحو ساعتين في منزل قيد الإنشاء؛ حسب ما ذكر أحد أقاربه. وكشف تقرير تشريح جثمان الشهيد أسعد أنه توفي متأثرا بنوبة قلبية سببها “عنف خارجي”. وأكد تقرير التشريح، الذي أجراه أطباء فلسطينيون، أن الشهيد عمر أسعد، الذي يحمل الجنسية الأميركية، كان يعاني من مشكلات صحية أساسية، لكن وُجد أيضا كدمات على رأسه، واحمرارا على معصميه من التقييد، ونزيفا في جفنيه نتيجة تعصيب عينيه بإحكام، وخلص التقرير، إلى أن سبب الوفاة هو توقف مفاجئ لعضلة القلب بسبب التوتر النفسي جراء عنف خارجي تعرض له.
وفي تحقيق اسرائيلي، توصل الاحتلال إلى أن واقعة استشهاد أسعد “تشير إلى فشل في القيم والأخلاق” لدى عناصر الفصيل والسرية التابعة لكتيبة “هناحال هحردي” (“نيتساح يهودا”) في جيش الاحتلال الإسرائيلي، والتي تنشط في مناطق الضفة الغربية. وجاء في بيان سابق صدر عن قوات الاحتلال، أن “التحقيق يظهر أن الحادثة خطيرة ومؤسفة”، مضيفا أن “الحادث أشار إلى فشل قيمي لدى القوة (المتورطة) وخطأ في تقدير الموقف وانتهاك جسيم لقيمة كرامة الإنسان”. ويذكر أن هذه الكتيبة تضم مستوطنين متدينين وعنصريين، يقومون بالاعتداء والتنكيل بصورة مستمرة بالفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وقد أعلنت وزارة الخارجية الأميركية عن قلقها البالغ بشأن ظروف مقتل المسن الفلسطيني، عمر أسعد، الذي يحمل الجنسية الأميركية، مضيفة أنها تتوقع تحقيقا جنائيا شاملا ومساءلة كاملة. ورغم مطالبة الإدارة الأمريكية حكومة الاحتلال بإجراء تحقيق جنائي شامل بمقتل أحد مواطنيها الذي يحمل الجنسية الأمريكية، ومحاسبة الجاني الذي ارتكب جريمة قتله، إلا أن حكومة الاحتلال لم تعر أي اهتمام للطلب الأمريكي، وقررت من جانب واحد دفع التعويض لأسرة الشهيد عمر أسعد، رغم رفض الأسرة التعويض واصرارها على محاكمة الجنائي الذي ارتكب هذه الجريمة بحق ابنها الشهيد المسن.
هكذا هي حكومة الاحتلال دائما ترتكب المزيد من الجرائم بحق الفلسطينيين، بدون أي مساءلة وهي بذلك تضع نفسها فوق القانون وتعفي نفسها من المساءلة، طالما لا يوجد تحقيق دولي نزيه وشفاف في الجرائم التي ترتكبها قوات الاحتلال، يمكن أن يفضي إلى كشف الجناة وتقديمهم الى محكمة عادلة ونزيهة، وتصدر حكما عادلا ومنصفا للضحايا وعائلاتهم.
حكومة الاحتلال هي التي ترتكب الجريمة، وتجعل من نفسها المحقق والقاضي، وهي تقوم بكل هذه المهام في نفس الوقت، فكيف يمكن أن تكون نزيهة وعادلة. حكومة الاحتلال لا يمكن الوثوق بها من جهة الضحايا وعائلاتهم، لأنها طالما تتهرب من اجراء تحقيق نزيه وشامل وجدي يؤدي إلى كشف الجناة وتقديمهم الى المحاكمة تتوافر فيها معايير المحاكم العادلة والنزيهة.
مطالبة الإدارة الأمريكية حكومة الاحتلال بإجراء تحقيق شامل وجدي بجريمة مقتل المسن عمر أسعد الذي يحمل الجنسية الأمريكية، ما هو إلاّ ذر الرماد في العيون هدفه توفير التغطية على جرائم الاحتلال من جهة، والتهرب من مسؤولياتها في اجراء تحقيق نزيه وعادل في جرائم الاحتلال بحق الفلسطينيين من جهة ثانية، لأن الادارة الأمريكية تدرك أن حكومة الاحتلال ومحققيها ومحاكمها ماهي إلا أدوات لحماية مجرمي الاحتلال الذين يرتكبون المزيد من الجرائم بحق الفلسطينيين، حتى ولو كانوا يحملون الجنسية الأمريكي، كما حصل مع الشهيدة الصحفية شرين أبو عاقلةـ وما سيجري مع الشهيد المسن عمر أسعد، فلا عدالة ولا انصاف لضحايا الاحتلال من قبل حكومة الاحتلال، ومن قبل الولايات المتحدة التي تقدم الدعم للاحتلال بكل الأشكال.