مع دخول موجة العمليات الفدائية الفلسطينية شهرها التاسع على التوالي، ترتفع حالة الإحباط في صفوف الإسرائيليين بسبب عدم القدرة على وقف تصاعدها، صحيح أن قوات الاحتلال تقتل منفذيها، وتعتقل موجهيهم، لكنها في ذات الوقت تفشل في القضاء على دوافعها، مما يضع تحديات كبيرة أمام الحكومة اليمينية القادمة التي ستصب مزيدا من الزيت على نار التوتر القائم.
أريئيلا رينغل هوفمان الكاتبة بصحيفة “يديعوت أحرونوت”، ذكرت أن “كل إسرائيلي يسأل نفسه السؤال المرهق: ماذا لو كنت في ذات الأمكنة التي وقعت بها أي عملية حصلت في الآونة الأخيرة، مما يعني أن ما يتغير فقط هي الأسماء والوجوه والأعمار، لأن السنوات العشرين الماضية لم تمح أي شيء من الذاكرة الجماعية الإسرائيلية من أيام انتفاضة الأقصى، وما زلنا نتذكر المشاهد والأصوات في شوارع تل أبيب والقدس، حتى نحفظ ذات المصطلحات والمفردات المستخدمة”.
وأضافت ” أن “عودة العمليات الفلسطينية منذ شهور دون توقف، يعني أنها نجحت في أن تشكل انتهاكا آخر لروتين حياتنا، ولا يزال يبدو لنا أننا سنعيش هكذا، مما يؤكد أننا نعيش في ذروة أحداث تسمى انتفاضة، حتى لو أرادت أجهزة الأمن الهروب من هذه المفردة، والاكتفاء بأننا أمام هجمات فردية، فلسطيني يطعن مستوطنا بسكين، وآخر يدعس آخر بسيارة، وثالث يطلق النار على حراس الأمن عند الحاجز”.
وأشارت إلى أن “الإسرائيليين باتوا يعيشون في ذروة صراع مستمر مع الفلسطينيين، حتى لو لم يكن في شارع أحدنا، وليس في حيّنا، ولا في المدينة التي نعيش فيها، لكن من الواضح أن قرابة عام مضى وقوات الأمن لا تستريح للحظة، وتتنقل بين جنين ونابلس، وعلى الطرق الواقعة بينهما، ثم تنتقل إلى البلدة القديمة في القدس، وتارة رابعة عند مدخل مستوطنة أريئيل، صحيح أنها تعتقل وتقتل وتحبط العديد من العمليات، لكن لا يمكنها القضاء على دوافع المنفذين، حتى لو توقفت العمليات فترة من الوقت، لكن هذا الهدوء سرعان ما سيتراجع، وتعود الأوضاع إلى سابق توترها”.
تكشف هذه الاعترافات الإسرائيلية عن حالة من الاستنفار الذي تبديه أجهزة أمن الاحتلال وقوات الجيش، المنتشرين في جميع المناطق الفلسطينية، داعية المستوطنين للانتباه لأي شيء مشبوه، مما يعزز حراس الأمن عند مداخل مراكز التسوق، ومداخل المباني العامة، ومن الواضح أنها ستستمر في بذل قصارى جهدها لوقف سلسلة الهجمات الفلسطينية، من خلال تحديد المخاطر وإحباطها، وفيما يستمر هذا التوتر الأمني المتصاعد، فإن حكومة يمينية جديدة قيد التشكل قد تساهم بمزيد من التصعيد.
البروفيسور بوعز غانور الرئيس التنفيذي لمعهد سياسة مكافحة الإرهاب بجامعة رايخمان، تساءل عما “إذا كانت هذه العمليات الفلسطينية بداية موجة عابرة من التصعيد، أم بداية انتفاضة ثالثة، خاصة وأن الهجوم المزدوج في القدس يمثل تصعيدا في نمط الهجمات التي اعتدنا عليها في السنوات الأخيرة، من حيث استخدام المتفجرات، وليس الأسلحة الباردة أو النارية، فضلا عن كونه هجوما متزامنا ومدبرا، مما يشير إلى أنه ليس هجومًا فرديا، بل تطلب تعاونًا بين عدة أشخاص وبنية تحتية تشغيلية ومختبر”.
وأضاف في مقاله بموقع “ويللا”، أنه “يمكن تقسيم الهجمات الفلسطينية لثلاثة أنواع: واحدة يقوم بها أفراد باستخدام أسلحة باردة بسكاكين وبلطات، وأحيانًا بأسلحة نارية مرتجلة، وثانية هي هجمات محلية مستقلة تحتوي على عدد صغير من المسلحين، تصل للعشرات، تربطهم روابط اجتماعية وعائلية، ويعيشون في منطقة جغرافية واحدة، وتقرر تنفيذ الهجمات كعمل وطني قومي أو انتقامي، وقد ترتبط بحماس أو الجهاد الإسلامي، لكنها في معظم الأحيان ليست خلايا منظمة”.
وأشار إلى أن “النوع الثالث من الهجمات تتكون من خلايا منظمة تابعة للتنظيمات الفلسطينية الرئيسية، ويتم إرسالها لتنفيذ الهجوم بتوجيه واستخبارات وتحضير مثل عملية القدس، وهذا التشخيص له أهمية كبيرة لفهم طبيعة الهجوم، لأن التنظيمات الفلسطينية تحاول منذ فترة طويلة تحريض الشباب في الضفة الغربية، دون قدرتها على تشكيل خلايا منظمة فيها، بسبب نشاط الشاباك والجيش الإسرائيلي، والتعاون المثمر مع السلطة الفلسطينية”.
صحيح أنه منذ بداية العام أدت الجهود الاستخباراتية والعملياتية المشتركة لإحباط العديد من الهجمات، وكشف مختبرات المتفجرات والأسلحة، واعتقال واغتيال العديد من المسلحين، لكن استمرار تنفيذ العمليات يكشف عن فجوة استخباراتية للاحتلال بسببها نجحت خلية في الانزلاق تحت رادارها، وتنفيذ هجوم معقد نسبيًا في القدس المحتلة، ويرجح أن تستمر في العمل.
الأسئلة التي تطرح نفسها على الإسرائيليين: هل نتوقع أن نرى مزيدًا من التصعيد في المستقبل القريب بعد هجوم القدس، وماذا سيكون الرد الإسرائيلي، وكيف ستكون سياسة الحكومة الجديدة، خاصة وأن الهجوم الأخير سيكون بمثابة مصدر إلهام لهجمات فردية، وتنظيم شبكات محلية إضافية، قد تؤدي جميعها لهجمات إضافية على المدى القصير، أما على المديين المتوسط والطويل، فإن الاحتلال يواجه مشكلة في تحديد مواقع البنية التحتية المحلية في الضفة الغربية، مما قد يدفعه في ظل الحكومة القادمة للقيام بعمليات واسعة، رغم أن ذلك لا يعني ضمانة لعدم تنفيذ المزيد من الهجمات مع مرور الوقت.