بقلم: بكر أبوبكر
لا تعجبني ما تسمى اتفاقيات التهدئة لأنها تساوي القاتل بالضحية أساسًا، سواء تلك الاتفاقيات المنعقدة من تحت الطاولة أو عبر وسيط، ولا تلك العلنية.
وإن كانت من ميزة للعلنية فإنها تتيج للجمهور النظر والنقد والرفض والحوار، بينما تلك التي تجري من تحت الطاولة أو عبر وسيط تظل مكتومة لكن تظهر آثارها بوضوح ما يمكّن القائمين عليها من إدعاء الطهارة فأيديهم لم تمس أيدي الإسرائيليين! فيما هم ينفّذون على الأرض نصوص الاتفاقيات من تحت الطاولة، وينفذونه علنًا ما يظهر عبر النتائج، ويقدم لهم الشكر كنموذج من المحتل المهيمن الإسرائيلي.
في جميع الأحوال فإن رغبة الحفاظ على استقرار (النظام) (السلطة) (النفوذ)هو ما يعتمل في عقل المفاوضين العلنيين من جهة، وأولئك السريين وفي كلتا الحالتين وجب النظر لاستراتيجية وطنية جديدة مشتركة لا تجعل النقد للعلني فقط هو المتاح، فيما السري أوما تحت الطاولة ينعم بطهارته المفترضة ما يمكّن أدوات دعايته من شن الحملات الفتنوية والمسيئة للآخر.
لنتكلم فيما سمي اتفاق أو اجتماع شرم الشيخ –عقد في 19/3/2023م والذي جاء استكمالًا لما حصل في العقبة يوم 26 شباط 2023م- والذي أثبت ضمن نقاطه العشر أن اليد العليا والطولى والعظمى تظل للاحتلال الإسرائيلي صاحب القوة المنفردة والغطرسة دون ادنى شك، فحيث يطلب من الفلسطينيين القيام بأي أمر فهم تحت الوصاية الإسرائيلية.
وحيث يريد الإسرائيليون التنصل من اتخاذ إجراء ضد المستوطنات او المستوطنين، أو غيره، تتوه الكلمات في البنود العشرة أو تأخذ طابع التعميم من مثل: (ضرورة تحقيق التهدئة والحيلولة دون وقوع المزيد من العنف)؟
وكأن الإرهاب والقتل اليومي والاعتقال وسرقة الأرض وهدم البيوت وسُعار الإرهابيين المستوطنين بدعم الجيش مما هو شبيه مؤخرَا بليلة الحريق الكبير في حوارة، عمل متماثل بين طرفين!
أو كأن الفعل العدواني على قطاع غزة وعلى الضفة المدعوم يوميًا من قبل الاحتلال وحكومته وشرطته وجيشه الذي يمثل أعظم الجيوش بالمنطقة، يماثل ردود الفعل الفلسطينية بالدفاع الشعبي القائم، او حتى العسكري الفردي المحدود؟
أو كأن سلطة تحت الاحتلال بنفس مقدرة أكبر جيوش المنطقة لتضع حدًا لما يسمونه العنف، الذين هم سببه أصلًأ؟!
أو كأن رمي حجر أو إطلاق بالون أو الخروج بمظاهرة شعبية شبيه برصاصات الجيش القاتلة، ويشابه هدم البيوت الذي لا يتوقف؟
إن الصيغ في الاتفاق أو محضر الاجتماع تمثل حقيقة التنصل الاسرائيلي الواضح من أي التزام، فلا مقارنة بتاتًا بين الطرفين سواء بمستوى الحق، أو القوة أو السيطرة ليصبح بند (اتخاذ اجراءات لبناء الثقة، وإنهاء الإجراءات الاحادية من الطرفين-بند3- مطلوبة من الطرفين.)!
إنه لبند مثير للضحك فعلًا، فما هي الإجراءات الاحادية من قبل السلطة الفلسطينية أصلًا؟
إنها صيغة تنصل واضحة من قبل الإسرائيلي، فليس هناك أصلًا من الإسرائيلي ذاته اجراءات أحادية، بل قوانين عنصرية تشريعية يومية إسرائيلية يتبعها أو يسبقها العدوان اليومي المستمر، وتتحدى الإجراءات والأعمال الاحتلالية الوحشية والعنصرية المتواصلة، القوانين الدولية وتقارير منظمات حقوق الانسان الاميركية والعالمية والإسرائيلية ذاتها.
وحين يقرر البند 5 التزام الإسرائيلي ب(الحق القانوني للسلطة في مسؤولياته الامنية في المنطقة (أ) بالضفة الغربية) -ونقول: المفترض أن تمتد للمناطق “ب” و”ج” منذ العام 2000م)- نجد بعد دقائق من البيان، تواجدا مكثفا للجيش الإسرائيلي في كل مكان بالضفة الغربية من جهة! وكما الأمر مع عصابات المستعمرين التي تكثف إرهابها في ظل الحكومة الحالية وتعلن يوميًا أنها لن تتوقف!
ونجد أن هذا الالتزام بالبند مشروط (بالعمل معًا من أجل تحقيق هذا الهدف) ما يعني أيضًا إتاحة الفرصة للإسرائيلي لإدعاء عدم قيام السلطة بدورها من الالتزام، فتعود الدوامة العنفية الإسرائيلية من حيث بدأت.
لا يوجد التزام إسرائيلي واضح وثابت ومحدد وملزم له إلا بنص بند4 (وقف مناقشة أي وحدات استيطانية جديدة أو إصدار تراخيص لفترة محددة)! وهنا النص لايقول وقف أوتجميد المستوطنات عامة كبداية لإزالة المستوطنات على أرضنا؟! إنه نص عجيب وكأن مشكلتنا التشريعات أو التراخيص لبعض المباني الجديدة!؟
أن مثل هذا النص نقيض حتى لقرار مجلس الأمن الذي مثل انجازًا تاريخيًا للسلطة الوطنية الفلسطينية والذي اعتبر المستوطنات غير شرعية (النص: قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2334، المعتمد في 23 كانون الثاني 2016، حيث حث المجلس على وضع نهاية للمستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، ونص القرار على مطالبة إسرائيل بوقف الاستيطان في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وعدم شرعية إنشاء إسرائيل للمستوطنات في الأرض المحتلة منذ عام 1967.)
أن الموضوع الحقيقي ليس (وقف المناقشة) أو (وقف إصدار التراخيص للمستوطنات) لفترة محددة ؟ لأن مثل هذا النص يعني الاعتراف الفلسطيني المخالف لنص قرار مجلس الأمن من جهة، واعتراف أو تثبيت لشرعية وجود المستوطنات (المستعمرات) والمستوطنين على أرضنا من فلسطين، ما سيؤخذ علينا لاحقًا، ضمن عقلية التسويف من جهة والاجتزاء والتحريف المتبعة لدى المفاوض الإسرائيلي المحنك.
وحين يصبح هناك ضرورة للتصدي للعنف (بند6) يطلب الاتفاق على (استحداث آلية للحد من والتصدي للعنف، والتصريحات والتحركات)؟!
دعنا نقول هل من استحداث الآلية كما من الممكن ان نفهم أن نقيم لجان حراسة فلسطينية لصد ارهاب المستوطنين؟ أم أن إرهاب المستوطنين في بلادنا قوة غاشمة مشرعنة لا ينطبق عليها الأمر وكل الكلام موجه لما يسمونه “العنف الفلسطيني”!
آليات للتصدي للعنف حسب النص هل المقصود بها مثل السماح للقوات الاسرائيلية حين وجب أن تدخل حيثما تريد بالأحرف الثلاثة “أ” و”ب” و”ج” للقتل والهدم والاعتقال جهارًا نهارًا أم ماذا؟
وفي نقطة (التصدي للتصريحات والتحركات) من البند هل يمكنهم التصدي لتصريحات نتنياهو الذي لا يعترف هو وجلّ وزرائه أصلًا بالشعب الفلسطيني ولا بفلسطين، ولا بالضفة الغربية التي يعتبرها “يهودا والسامرة “ويحق له البناء الاستيطاني فيها؟ كيف ذلك؟ إنه كلام أخرق يحمّل المسؤولية فقط للجانب الفلسطيني الضعيف بتقييم الإسرائيلي ويتنصل من أي مسؤولية من طرفه؟
مؤخرًا ولم يجف حبر الاتفاق، صدر تصريح الوزير العنصري الخارج عن نطاق العلم الأوكراني “سموتريش” الذي أنكر وجود الشعب الفلسطيني، وهو أصل المكان من نصف مليون عام حتى الآن بشهادة كل العلوم، بل وضم الأردن لكيانه (وطبعًا ضمن الكيان الضفة وغزة) فهل مثل هذا التصريح وأمثاله بالمئات مشمول أم غير مشمول بآلية للحد من التصريحات والتحركات؟
وإن كان مشمولًا فكيف سيتصدى المجتمعون له ؟ أوكيف سيتصدون للإرهابيين قاتلي الفلسطينيين أو لمرتكبي محرقة حوارة، الذين لم يذكروا بتاتًا؟! والمطلوب منهم الملايين كتعويضات على الأقل، ومن غيرهم ممن عاثوا فسادًا في شمال الضفة وجنوبها وفي المناطق الزراعية داخل السلك الشائك بقطاع غزة أيضًأ؟!
في البند السابع (التأكيد الفلسطيني الإسرائيلي على التعاطي مع كافة القضايا العالقة عن طريق الحوار المباشر) وأظنه بند يجب أن يفهم أن ما يتعلق بغزة ينطبق على ما يقع بالضفة من جهة من باب الإقرار أن قطاع غزة والضفة كيان واحد، وما يجب بناء عليه التشاور مع الأخوة المسيطرين على أرض غزة شئنا ام أبينا، هذه نقطة.
والنقطة الاخرى أن الحوار المباشر المقصود وكل القضايا يجب أن يكون أصلًا على رأسها، بل وقبلها اللقاء السياسي في ظل الاستراتيجية الوطنية الواحدة، وتحقيق استقلال دولة فلسطين القائمة بالحق الطبيعي -الطبيعي يا نتنياهو وسموتريش-والقانوني والتاريخي.
وحين الحديث عن القدس بالبند 8 يتم التأكيد على عدم المساس بالوضعية التاريخية للأماكن المقدسة؟! في القدس ولم يقل منها المسجد الأقصى المبارك الخاص بالمسلمين، بل ترك البند هكذا؟! (الأماكن المقدسة) ما يفهم أنه اعتراف بقدسيتها أيضًا لليهود، وهذه سقطة كبيرة وخطرة أيضًا بل المقصود الحقيقي كان يجب أن يكون عدم المس الصهيوني بالمسجد الأقصى المبارك تحديدًا بتدنيسه واقتحاماته يوميًا –المسجد الأقصى هو بمساحة144 ألف متر مربع مشتملًا المباني والساحات والسور ذاته وما يشمله- وباقي المقدسات الإسلامية والمسيحية نصًا.
وفي البند التاسع يطلب من الفلسطينيين الذين ليس لديهم أي سلطة لا مادية ولاأمنية بالضفة الغربية، أن يساهموا (بالحيلولة دون حدوث أي تحركات من شأنها النيل من قدسية تلك الاماكن)!؟ في القدس -وأيضًا لم يذكر مصطلح المسجد الأقصى بتاتًا- الخاضعة للاحتلال المباشر، ودون أي صلة او تواجد للسلطة هناك؟
فوق كل ذلك فإن الترويج الاسرائيلي القائم هو إضفاء سِمة عنفية إرهابية على شهر رمضان ذاته، ما يصيب كل المسلمين في العالم بتهمة الإرهاب والعنف.
فحين يتصدى المجتمعون -الجانبان الفلسطيني والإسرائيلي، بحضور ممثلي مصر والأردن والولايات المتحدة- لمعالجة الأمر ارتباطًا بالشهر الفضيل، شهر الرحمة، يقصد الصهيوني تحقيق إصابة عصفورين أو اكثر -كما يقولون- بحجر واحد! ويتم تبرئة الإسرائيلي وجيشه ومنه المستوطن من الإرهاب والعنف والقتل والهدم والتهويد الذي لا يتوقف في شهر رمضان وكل الشهور الاخرى.
في النقطة العاشرة والأخيرة التي ألحقت هكذا دون أن تعني أي شيء حقيقي لدى الإسرائيلي تقول: (التطلع للتعاون بهدف وضع أساس لإجراء مفاوضات مباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين للتوصل إلى سلام شامل وعادل ودائم ) ولو؟! التطلع للتعاون!؟ بينما الأصل تحديد أولوية تحقيق التسوية السياسية، حال الجاهزية والقرار، التي منها يكون الأمن جزءًا صغيرًا.
إن المسكوت عنه في نصوص لقاء شرم الشيخ، أو ما بين السطور، أو حتى ما ظهر منه علنًا، أنه كله في صالح المهيمن والسلطة القائمة بالاحتلال، وهو بمجمله لا يعترف بالضفة الغربية ضمن صلاحيات السلطة الوطنية الفلسطينية ليطالبها بصون الأمن أصلًا! ولا يقر بلا شرعية المستوطنات، بل ولا يشير للمسجد الأقصى نفسه، أو لاقتحامات المستوطنين ! ويحمّل السلطة الوطنية مسؤوليات هو أعلم أنه لن يمكنها منها، ولا يلتزم هو بالمقابل الا بالتعميم، ولا يجرؤ على مس المستوطنين الإرهابيين وممارساتهم العدوانية بأي كلمة. فهل لمثل هذا الاتفاق من مكان للتطبيق على الأرض؟! في ظل الهرم المقلوب.