أطفال مخيم جنين يعانون من صدمات نفسية خطيرة بعد العدوان

تنشط العديد من المؤسسات والفعاليات في مخيم جنين، لتوفير الدعم النفسي والارشاد الاجتماعي، للأطفال الذين تأثروا بشكل مباشر من العدوان الاسرائيلي الذي استهدفهم، وأدى لسقوط 4 شهداء منهم، وإصابة عدد آخر، لكن لا يوجد طفل في المخيم، لم يتضرر أو يتعرض لانعكاسات خطيرة بسبب آلة الحرب الاسرائيلية والانتهاكات الخطيرة من جنود الاحتلال التي عرضتهم للخطر، وفرضت عليهم ظروف قاسية وصعبة، انعكست على حياتهم وتعليمهم.

الطريق لمدارس وكالة الغوث الواقعة على أطراف المخيم الغربية، دمرتها جرافات الاحتلال وكاسحات الألغام، لكن الأخطر كما ترى مديرة مركز النشاط النسوي كفاح العموري “المشاهد التي يراها الطلبة في طريقهم، من دمار وحرق وقصف وخراب في كل ركن وزاوية، لتتكرر امامهم الصور التي لم تفارقهم طوال الوقت، لدى اقتحام وقصف منازلهم، واعتقال أو قتل أو إصابة أخ أو قريب أو جار”.

وأضافت ” كل شيء في الطريق نحو المدارس، يزيد ألم ومعاناة أطفالنا الذين يعانون أصلا من صدمات وظروف صعبة من تداعيات العدوان، حتى ما زال لليوم، هناك طالبات يرفضن العودة للمدارس والدوام لشدة الخوف والقلق”.

ورغم عودة الدوام وافتتاح مدارس الوكالة لأبوابها بعد فترة إضراب، ما زال الطلبة وخاصة الإناث يعانون من أثار العدوان، وتقول المعلمة أم فارس لـ “القدس” دوت كوم: “الوضع داخل غرفة الصف صعب ومؤلم، الطالبات يعانين ضغوط وحالة نفسية رهيبة، ونسبة التأقلم والتفاعل متدنية جداً، والحديث السائد حول ما حدث خلال القصف، كيف اقتحموا المنازل وهربوا من الصواريخ .. هناك طالبات يعانين من حالة نفسية صعبة، وأخريات يلازمهن القلق والتوتر، والمدارس في حالة استنفار لتوفير خطط لانقاذ الطلبة وحياتهم”.

في هذا الوقت، استغرق اقناع الطالبة منال 13 عاماً، بالعودة للمدرسة اسبوعاً كاملاً، وتقول والدتها “منذ طردنا من منازلنا ونحن حفاة، وتعرض منزلنا للقصف والتدمير، ومشاهدتها الناس وهم يصرخون والأطفال يبكون، لا تعرف أي معنى للاستقرار والنوم، طعامها قليل، وترفض مغادرة المنزل، وكلما حدثناها عن المدرسة تبكي .. حياة طفلتي انهارت، وأحضرنا زميلاتها للمنزل وخبير نفسي حتى وافقت على الذهاب للمدرسة، لكن أشعر بخطر على حياتها”.

كل ما يعانيه الأطفال وطلاب المدارس في مخيم جنين، ردة فعل خطيرة ومدمرة كما يصفها الخبير الاجتماعي الدكتور إياد أبو بكر، مؤكداً أن الحل السريع خطة وطنية شاملة وعاجلة، لأن ما حدث خلال جرائم الاحتلال كارثة مدمرة خاصة لدى الأطفال.

ويوضح أبو بكر، أن المشاهد والمآسي التي عاشها الأطفال وخاصة الطلاب خلال العدوان والقصف، برزت أثاره النفسية بشكل واضح على الصحة النفسية بشكل مباشر، مشيرًا إلى أن المواقف الصادمة والمؤثرة التي تعرض لها الأطفال ستؤدي لاضطرابات تسمى “ما بعد الصدمة”، والتي يزداد فيها الخوف، ويتعرض الطفل لأعراض “انسحابية”، مثل التبول اللا إرادي، والغضب القلق والتوتر، وجميعها ناجمة عن االصدمة والمشاهد المؤلمة التي مرت أمام الطفل، كمظاهر القمع وهدم البيوت والقتل.

واوضح أبو بكر، استاذ الخدمة الاجتماعية المشارك في جامعة القدس المفتوحة، أن الأثار تزداد خطورة على حالة الأطفال الذين يشاهدون صور صعبة وصادمة باعينهم، ومن أبرز آثارها:  القلق والعدوانية، والصراع النفسي والداخل.

وأضاف: “يشتد الخطر والخوف على الطفل، إذا شاهد أحد يخصه، قريب صديق أو جار، يتعرض لعدوان أو قمع، ولا يستطيع مساعدته أو تخلصيه، فينشأ لديه صراع بين عدم قدرته ودافعه للانتقام ممن يمارس هذا العدوان، وهذا جانب خطير له تداعيات خطيرة”.

وتابع: المشاعرالتي يضطر الطالب الطفل لكبتها، تشكل له كوابيس ليليلة، وأوجاع وأعراض وتصرفات غير شعورية، يضاف لها عدم التركيز والتأثير على أبسط أمور حياته”.

في المخيم اشتكى الأهالي، من احجام بعض أطفالهم على التفاعل مع أقرانهم وابتعادهم عن الحياة والناس، كما رصد في المدارس، حالة عزلة لدى بعض الطلبة، وهذا يعتبر كما يرى الخبير الاجتماعي أبو بكر، الوجه الآخر من أثار عدوان الاحتلال على الناحية الاجتماعية للأطفال والتي تزداد بشكل أكبر لدى الطلاب.

ويشير أبو بكر إلى أن الأطفال لم يعودوا قادرين على العودة لحياتهم بشكل طبيعي بسبب العدوان الإسرائيلي.

ويركز الخبير الاجتماعي، على خطورة المؤثرات الصحية على الطفل وسلوكه، سواء كانت الاصابة البالغة، أو بالرصاص و الغاز والصواريخ، وجميعها كما يقول “لها تداعيات وتاثير على الناحية النفسية والجسدية والعقلية، أي تأثير نفسي جسماني، وهذه كلها لها نتائج خطيرة .. التاثيرات النفسية أكثر خطورة وعمق من الجسدية لأنها غير مكشوفة، وتؤدي لصدمة قد تستغرق فترة طويلة خاصة عند مشاهدة الأحداث الصادمة مثل القتل والقصف والاعتقال”.

في ظل ما يعتبره الخبير أبو بكر، من انتهاكات خطيرة للقوانين والاعراف الدولية، مارسها  الاحتلال بشكل فاضح دون مراعاة أبسط المعايير من خلال القمع والعقاب الجمعي والطرد والاعدام، رأى أن المطلوب تحرك فوري وعاجل من كافة وكالات التنشأة الاجتماعية الرسمية والشعبية، لرصد المتضررين وتشخيص حقيقي للأحداث، لتوفير التدخل المطلوب وقت الأزمات كعامل مهم، مثل ايواء النازحين وتوفير كل متطلبات العيش الأمن للأسر وخاصة الأطفال.

وأكد على ضرورة الشروع في تنفيذ خطة متكاملة سريعة وتدخل اسعاف أولي لانقاذ ودعم أطفال مخيم جنين، تشارك فيها كافة المؤسسات الرسمية والشعبية والمهنية ذات العلاقة التي تعمل في مجال الصحة والتدخل النفسي والاجتماعي، لافشال مخططات الاحتلال في تدمير الجيل الجديد وخاصة الطلاب.