تناولت الصحف العبريّة الصادرة اليوم الاثنين بتوسّعٍ قضية استقالة النائبة العربيّة غيداء ريناوي-زعبي، من الائتلاف الحكوميّ الأكثر تطرّفًا وبطشًا في تاريخ كيان الاحتلال، يوم الخميس، وعودتها إليه بعد 72 ساعةً، وأبلغت ريناوي زعبي، من حزب (ميريتس)، المحسوب على ما يُسّمى باليسار الصهيونيّ، وزير الخارجية الإسرائيليّ و”رئيس الحكومة البديل”، يائير لبيد، في نهاية اجتماعهما أمس الأحد، أنها باقية في الائتلاف، وذلك بعد ثلاثة أيام من إعلانها عن انشقاقها عن الائتلاف.
ونقل بيان صدر عقب الاجتماع عن لبيد قوله إنّ الاجتماع شهد إجراء “حوار صريح وواضح آخذين بعين الاعتبار الاحتياجات الحقيقية للمجتمع العربي سواء معها (ريناوي زعبي) أوْ مع رؤساء السلطات”، وأضاف أنّ الأزمة التي خلفها انشقاق ريناوي- زعبي عن الائتلاف “باتت من وراء ظهورنا ونعود إلى العمل الحكومي”.
من جانبها، زعمت ريناوي زعبي أنّها شاركت في الاجتماع “بعد ضغوط كبيرة من رؤساء السلطات العربية”، مدعيّةً أنّ “البديل لهذه الحكومة هو أنْ يكون النائب إيتمار بن غفير وزيرًا للشرطة” (بن غفير من أيتام الحاخام الفاشيّ مئير كهانا)، مؤكّدةً تراجعها عن استقالتها وأنها قررت دعم الحكومة.
وأكّد حزب “يمينا” الذي يتزعمه رئيس الحكومة، نفتالي بينيت، أنّ الحكومة لم تتعهد بتخصيص أي ميزانيات جديدة للمجتمع العربي في إطار التفاهمات التي توصل إليها لبيد مع ريناوي زعبي والتي ضمنت عودة الأخيرة للائتلاف. ويُشار إلى أنّ بيان “يمنينا” جاء ردًا على بيان مصور صدر عن رئيس المعارضة، بنيامين نتنياهو، في سياق هجومه على الحكومة وتحريضه العنصري على المجتمع العربيّ.
وفي هذا السياق قال المُحلِّل السياسيّ المُخضرم شيمعون شيفير، في صحيفة (يديعوت أحرونوت) قال: ادعت محافل سياسية في نهاية الأسبوع بأنّ النائبة غيداء لا تعتزم مساعدة المعارضة على إسقاط الحكومة، أمّا الحقيقة فهي أنّ قرارها لم يعد مهمًا، فقد انتهى هذا”.
وأضاف: “حكومة بينيت-لبيد أنهتْ طريقها لأنّها ما عادت تستطيع الركض بانسجام والتصرف كمجموعة. لم يسبق لبينيت ولبيد أنْ أدارا ائتلافًا، ولم يكونا سوى جزء من ائتلاف”، مُضيفًا:” حق نتنياهو كرئيس المعارضة أنْ يُخرب على كل مبادرة تِّشريع للحكومة. نعم، حتى على مبادرة المشاركة في رسوم تعليم المقاتلين، ويفترض بالمعارضة أنْ تحاول إسقاط الحكومة القائمة، ونتنياهو جيد في هذا”، على حدّ تعبيره.
وتابع:” غير أنّ نتنياهو لم يقترب مليمترًا واحدًا من العودة إلى مقر رئاسة الوزراء في شارع (بلفور)، لأنّ رئاسة الحكومة في نهاية المطاف تشترى عندنا بـ 61 يداً، وحسب كل المؤشرات، لا يملك هذا”، لافِتًا في ذات الوقت إلى أنّه “كانت لحكومة التغيير فرصة لسن القانون الذي يمنع المتهم، أيْ نتنياهو، من أنْ يكون رئيساً للوزراء، تلبثوا وهكذا ساعدوا نتنياهو”، كما قال.
أمّا مُحلِّل الشؤون السياسيّة في صحيفة (هآرتس) العبريّة، يوسي فارتِر فقال إنّ الحدث، أيْ استقالة وعودة ريناوي زعبي، التي تلاعبت بدولةٍ كاملةٍ كان منذ البداية مجرّد خدعة، مُضيفًا: “لم يكُن حتى غرامًا واحدًا من المصداقية والاستقامة في تحايل ريناوي-زعبي، ولكنْ كلّنّا، إعلامًا وحكومةً، وقعنا في الفّخ، ومشاهد رحلة التملّق لها كان عمليًا مسرحية تُثير الاشمئزاز”، على حدّ وصفه.
المحلل فارتر أضاف إنّه في اللقاء مع وزير الخارجية لبيد، والذي شارك فيه ثمانية رؤساء سلطات محليّة عربيّة في أراضي الـ48 لم تذكر النائبة ريناوي-زعبي، لم تذكر الأقصى، ولا الشيخ جرّاح، ولا المُستوطنات، ولم تأتِ على ذكر الاحتلال، ولم تتحدّث عن النقب، وجميع هذه القضايا كانت قضايا ملتهبةً كما ذكرت هي في رسالتها، والتي بسببها قررت الانسحاب من الائتلاف، وهذا لا يعني بأيّ حالٍ من الأحوال أنّ هناك مَن آمن بأقوالها، أوْ صدّق حديثها، كما قال المُحلِّل الإسرائيليّ.
على صلةٍ بما سلف، أكّد المُحلِّل السياسيّ المُخضرم، ناحوم بارنيع، أنّ نتنياهو تغيّر، ذلك أنّ نتنياهو القديم تصرّف بموجب القانون، وفق قواعد اللعبة، واحترم المنظومة القضائيّة والمؤسسات الاجتماعيّة القائمة، أمّا نتنياهو الجديد، فيعمل على إحداث ثورة، فهو يرى ماذا يحدث في بولندا وهنغاريا وبيلاروس، ويقول لنفسه: لمَ أنا لا؟”، لافتًا في ذات الوقت إلى أنّ النقاش الذي يقوم رجاله ومؤيّدوه بالتأكيد عليه في وسائل التواصل الاجتماعيّ هدفه التجديف والتآمر من أجل القضاء على البنية التحتيّة للمؤسسات في إسرائيل، وعوضًا عن ذلك إقامة نظام حكمٍ جديدٍ بدلها، على حدّ وصف بارنيع.
وأضاف بارنيع أنّ نتنياهو ليس الوحيد الذي تغيّر، بل تغيّر التوجّه العّام للإسرائيليين الذين كرِهوا النظام الديمقراطيّ، لأنّه بحسبهم معقد، ومتساهل، ومنضبط، ويأخذ بعين الاعتبار العرب والأجانب في الكيان، دون حاجةٍ لذلك، مُضيفًا أنّه في إسرائيل هناك نقاش مُستمر منذ سنوات طويلةٍ حول الأراضي الفلسطينيّة (ألمحتلّة بعدوان 1967)، ولكن هذا النقاش ليس هو العامِل المُوحِّد للإسرائيليين الذين يؤيّدون نتنياهو، إنمّا العامل المُوحّد هو الهوية، والشعور بالوحدة، وحدة المصير وكره الآخر، على حدّ تعبيره.