بقلم: منيب رشيد المصري
شكراً لدولة قطر الشقيقة على روعة تنظيم وإدارة وإخراج كأس العالم لكرة القدم للعام 2022، هذا الحدث الرياضي الأهم، وما حملته نسخة المونديال هذه من نقلة نوعية كونه نُظم وأجري في بلد عربي، مما أتاح لشعوب العالم أن يتعرفوا عن قرب على حضارة وثقافة وتاريخ لطالما تصوروها بشكل مختلف، بما عملت عليه الصهيونية العالمية أخرج صورة للعرب على أنهم عبارة عن قبائل لا زالت تعيش في عصر البداوة والرعي. فشكراً لقطر التي أظهرت للعالم بأنها دولة ورغم صغر حجمها وقلة عدد سكانها إلا أنها قادرة على توظيف مواردها واستخدامها لخدمة القضايا العربية ولخدمة الإنسانية جمعاء.
وبعيداً عن أن المونديال هو حدث رياضي بامتياز، فإن النسخة القطرية منه، جاءت في ظرف سياسي عالمي مُعقد وموتور حد الانفجار، فما يحدث من حرب عالمية صغرى بين الغرب والشرق، إن جاز التعبير، في أوكرانيا يؤشر بشكل واضح على أن العالم لن يعد كما كان، وأن التعامل مع شعوب العالم يجب أن يقوم على معايير واضحة، أساسها العدل وحق الشعوب في تقرير مصيرها، وليس هناك عِرق بشري أفضل من عِرق بشري آخر، وأن زمن الاستعمار قد ولى، وأن هذه الحرب العالمية الصغرى تؤسس لنظام عالمي جديد متعدد الأقطاب، علاقات الدول فيه قائمة ليس فقط على المصلحة بل على أساس أن السلام والأمن والعدل مفتاح الازدهار والتقدم لهذه الدول ولرقي ولرفاه شعوبها.
حقيقتان واضحتان ظهرتا في مونديال قطر الأولى هي حضور القضية الفلسطينية بشكل واضح، والثانية رفض الشعوب العربية للتطبيع مع دولة الاحتلال، ومن هنا فإن أي نظام عالمي جديد عليه أن يعمل على حل القضية الفلسطينية بشكل جذري وعلى أساس مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها، وهذا يعني حصول الشعب الفلسطيني على حقه في التحرر والعودة والدولة المستقلة، من أجل ضمان عالم خالي من الصراعات والحروب.
ودون الحديث طويلاً على الأساس الطبيعي والقانوني والأخلاقي لأهمية إنهاء الاحتلال، فهناك الآن ضرورة مُلحة للعمل على إنهاء الصراع الفلسطيني والعربي مع “إسرائيل”، على أساس أن يخرج الجميع من هذا الصراع رابحاً كما خرج الجميع من مونديال قطر رابحاً، فليس هناك خاسراً لأن الجميع اشتركوا في ذات اللعبة وفق قواعد واضحة ومحددة ضمن غطاء قانوني متفق عليه، مما يدفعني للقول بأننا بحاجة إلى مونديال للسلام على أرض السلام يوصلنا جميعاً إلى سلام عادل وشامل ودائم، ضمن سقف سياسي وقانوني متفق عليه.
كلي ايمان بأن اقتراح مونديال للسلام على أرض السلام ليست بفكرة عبثية، بل هي حاجة تفرضها علينا المتغيرات الدولية، وهي ليس بحاجة فلسطينية فقط بل هي حاجة عربية وعالمية تصب في صالح الإنسانية جمعاء، ومن هنا فلا بد من التحضير لهذا المونديال وفق الآتي:
أولاً: إنهاء الانقسام،- الذي هو بمثابة وعد بلفور صنعناه بايدينا-، والاتفاق على برنامج سياسي بيت الكل الفلسطيني، فلا يمكن أن ندخل إلى المونديال السياسي ونكسب اللعبة إلا إذا كنا متفقين موحدين.
ثانيا: مع التأكيد على إشراك جامعة الدول العربية في كل محطات مونديال السلام، التنسيق مع الدول العربية ذات العلاقة والتأثير لتشكيل فرق منها للمشاركة في مونديال السلام، وتحديداً يجب الحديث مع جمهورية مصر العربية، المملكة الأردنية الهاشمية، المملكة العربية السعودية، دولة قطر، المملكة المغربية.
ثالثاً: الاتصال مع جماعات السلام اليهودية، التي لا تتبنى الفكر الصهيوني، من أجل إشراكها في مونديال السلام، لتحدث تأثيراً في أوساط يهود العالم لإعادة التفكير فيما قد توصلهم له الحركة الصهيونية من خلال إصرارها على استعمار شعب آخر، وبث روح العنصرية والكراهية في العالم.
رابعاً: التنسيق مع الدول الإقليمية ذات العلاقة والمصلحة والتأثير من أجل إشراكها في مونديال السلام، على أساس أن لها مصلحة في استقرار المنطقة وبناء شراكات سياسية واقتصادية مع جيرانها من الدول العربية.
خامساً: مع التأكيد على إشراك الأمم المتحدة في كل محطات مونديال السلام، التنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا الاتحادية والاتحاد الأوروبي والصين من أجل إشراك فرقها في هذا الحدث السياسي المهم، فكل واحدة من هذه الدول مصلحة في استقرار المنطقة وأمنها، وبخاصة أن المنطقة العربية بشكل عام لها أهمية جيوسياسية واقتصادية ستزداد مع الانتقال إلى النظام العالمي متعدد الأقطاب.
الاعداد لهذا الحدث السياسي المهم بحاجة إلى عمل دؤوب ومنظم وصادق من طرف المنظمين الرئيسيين وأصحاب المصلحة الأولى وهم الفلسطينيون، فعليهم إعادة ترتيب أولياتهم الداخلية والخارجية للتناسب مع إنجاح هذا الحدث، بالتنسيق الكامل مع جامعة الدول العربية والأمم المتحدة والمؤسسات الإقليمية ذات العلاقة، وأن القانون الذي يحكم مونديال السلام هو ما تم الاتفاق عليه عربياً وإسلامياً ودولياً، ألا وهي مبادرة السلام العربية للعام 2002. بالإضافة إلى قرارات الأمم المتحدة ذات العلاقة.
كلي أمل أن يتم هذا، بالتنسيق الكامل مع الأخ الرئيس أبو مازن وكل مكونات النظام السياسي الفلسطيني، لنضع جميعاً خريطة طريق وخطة عمل نصل بهما إلى نقطة الإعلان عن هذا الحدث السياسي الأهم خلال العام 2023، ألا وهو مونديال السلام على أرض السلام.