معاريف- بقلم: أفرايم غانور سيظهر التاريخ اسم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في قائمة سوداء تضم أولئك الزعماء الذين جلبوا القتل والدمار والمصائب الإنسانية والخراب الاقتصادي. بينما يشتد الغزو الروسي لأوكرانيا ويضيق الخناق حول كييف العاصمة، ويواصل مئات آلاف اللاجئين الفرار من خراب مدن وقرى أوكرانيا، ومن رعب الشر والوحشية الروسية، تتضح صورة الأزمة الاقتصادية العالمية التي جلبت هذا الغزو إلى عالمنا. المؤشرات الأولى لهذه الأزمة تجد تعبيرها في ارتفاع أسعار الطاقة (الوقود، والغاز، والفحم) ومعها ارتفاع في أسعار الحبوب (القمح، الشعير والذرة). إلى جانب هذا، فإن فرض العقوبات على روسيا، وهي إحدى الموردات الكبرى للألمنيوم والفولاذ، بدأت تعطي مؤشراتها على صناعة المعادن في العالم.
روسيا مصدرة النفط الثانية في حجمها في العالم بعد السعودية، وهي تصدر في الأيام العادية بين أربعة إلى خمسة ملايين برميل نفط خام يومية. الولايات المتحدة، التي بادرت إلى العقوبات ضد روسيا، هي مستهلكة صغيرة للنفط الروسي، لأن معظم الوقود الذي تستورده يصل من كندا والمكسيك والسعودية. بمعنى أن الولايات المتحدة تكاد لا تتضرر من عقوبات النفط على روسيا. أما المتضررون فهم هولندا، وألمانيا، وكوريا الجنوبية وبولندا. المستوردة الأكبر للنفط الروسي هي الصين، التي بالطبع ليست شريكة في العقوبات المفروضة على النفط الروسي، وبالتالي فإن العقوبات على مصادر الطاقة الروسية ستضر أساساً المستهلكين الأوروبيين، وستجد روسيا طريقاً بديلاً لتسويق نفطها للصين والهند واليابان. إن ارتفاع أسعار الطاقة في أعقاب العقوبات، مثل الارتفاع في أسعار الحبوب، يجرنا إلى أزمة عالمية تداعياته الكاملة ليست واضحة بعد. واضح أن الضرر الأول والأشد سيكون على الدول ذات السكان الضعفاء الذين تعد الحبوب بالنسبة لهم المنتج الأساس.
تبعث العقوبات على روسيا هذه الأيام قلقاً شديداً في المنظومة البنكية الأوروبية أيضاً، حيث يصل الدين الروسي الخارجي لنحو 100 مليار دولار، خصوصاً للبنوك في النمسا وفرنسا وإيطاليا. هذه ديون فيها ما يبعث على القلق في الوقت الذي يتدحرج فيه الروبل والاقتصاد الروسي إلى أزمة شديدة. ما سيتحمل الخسائر جراء هذه العقوبات هي صناديق التقاعد وصناديق الحكومات والبنوك في أوروبا، التي تستثمر أموالها في آفاق الاستثمار المرتبطة بمصادر الطاقة الروسية.
كما هو معروف، هناك من يكسب من الحروب والأزمات العالمية كهذه، ويبدو أن هؤلاء هم الأمريكيون الذين يرون كيف يتورط بوتين في الوحل الأوكراني، وكيف تهتز مكانته ويتكبد الاقتصاد الروسي ضربة شديدة تحت يديه؛ كل هذا دون أن تطلق رصاصة أمريكية واحدة ودون أن يخدش جندي أمريكي واحد. كما أن الصين التي ترى الأمريكيين يتناكفون مع بوتين، ستكون من الكاسبين أيضاً. فقدرة الصين على شراء النفط الروسي ستزداد، بل قد تسيطر على الشركات، ولا سيما في أوروبا التي ستتأثر سلباً بالأزمة.
والأزمة ستؤثر على غلاء المعيشة داخل “إسرائيل”. ومع ذلك، ثمة مواساة صغيرة، وهي أن روسيا لن ترغب، إذا ما وقع الاتفاق بين إيران والقوى العظمى، في رؤية إيران بصفتها مسوقاً للنفط على حسابها، ولن تسهم برأيي في الإرادة الإيرانية، وستؤيد ما هو جيد لدولة “إسرائيل”.