فلسطين اليوم وغدا: باتجاه فعل سياسي ذكي وإدارة أكثر عدلا

الكاتب: تحسين يقين

المتطرف والعنيف خصوصا من اليمين، لا يستطيع أن يحيا إلا وسط التوترات، لذلك فكأن اليمين الإسرائيلي، يدفع شعبنا نحو انتفاضة ثالثة، مثال ذلك وزير “الأمن الداخلي الإسرائيلي” عومير بارليف، الذي يرى أن تغيير الوضع القائم في المسجد الأقصى في القدس المحتلة، “سيؤدي بشكل لا لبس فيه إلى انتفاضة ثالثة أو رابعة”. وليست الأحزاب الصهيونية الأخرى بأفضل حال كثيرا، فدوما يستفزوننا لفعل يقطفون إنجازات سياسية وعلى الأرض بخبث شديد. أليست الحكومة المنتهية هي من تقتل أبناءنا بدم بارد؟ فقط نقول ما نعرفه جميعا، حتى لا يتباكى الواهمون على حكومة تنتهي، تسلم أدوات القتل لحكومة قادمة.
أليس هذا جرّا لنا لفعل انتفاضي ليقطفوا ثمار ما يخططون له، من الإنهاء الفعلي على مشروع الدولة الفلسطينية ذات السيادة بالقدس عاصمة.

كيف نقرأ تقديم حزب الليكود الإسرائيلي، مشروع قانون يصف السلطة الفلسطينية على أنها “كيان معاد”؟ الجواب هو أن اليمين أصلا ليس فقط يعتبر السلطة الوطنية كذلك، بل هو يعتبرنا نحن الفلسطينيون، شعبا معاديا، ولا ينظر لنا في أفضل الحلات إلا عمالا! وهو لا يميّز ما بين فلسطينيي الضفة الغربية وقطاع غزة، وبين فلسطينيي عام 1948، وليس هذا اكتشافا.
وليس غريبا أو عجيبا أن تنطلق العنصرية الإسرائيلية تجاه فلسطينيي عام 1967، من الاعتبار الإسرائيلي بأن فلسطينيي عام 1948 يشكلون الخطر الأكبر على المشروع الصهيوني.

في إسرائيل: تزداد نسبة فلسطينيي عام 1948، ويتركزون في الجليل والمثلث، وهم نسبة كبيرة يستوطن بينهم عدد قليل من الإسرائيليين في مستوطنات صغيرة، بمعنى أن تركز الإسرائيليين اليهود هو في أماكن محدودة، أي في التجمعات اليهودية الكبيرة، وهذا ما يذكرنا بوثيقة كنج ويوم الأرض عام 1976؛ فعقلية العقدة الإسرائيلية لا تنظر إلى تقسيم عام 1947م أنه تقسيم عادل من وجهة نظرها، كذلك الحال مع حدود الهدنة عام 1948م، لأنها لا ترى أن الضفة وغزة هي مقابل عادل لبقية فلسطين؛ فأراضي الجليل والنقب يتركز فيها فلسطينيون إضافة لأماكن أخرى عديدة فيها فلسطينيون يتزايدون، كما لا تشكل صحراء النقب مكاناً جاذباً للاستيطان والإقامة، لذلك فرغم أن النقب يشكل نسبة قد تصل النصف من مساحة فلسطين التاريخية، إلا أن أهميته هي في النواحي الاستراتيجية، كخزان المياه، ولكن من الناحية الإسكانية والإقامة فهو قليل الأهمية، يؤكد ذلك أن خطة شارون مثلاً “الاستيطان في الغور” فشلت بسبب سوء حالة المناخ. لذلك تركز الاستيطان بجنون في الضفة الغربية لهذه الأسباب وغيرها.

وفي ظل تنامي الهوية العربية لفلسطيني 1948، وتنامي قوة شعورهم ووعيهم على الحقوق الطبيعية لهم كشعب أصلاني، ومواطنين في دولة، فقد ازدادت الورطة الإسرائيلية.
حتى عام 1966، أي قبل أشهر من حرب عام 1967، ظل فلسطينيو عام 1948 يخضعون للحكم العسكري، ولربما كان رفعه لأجل تهيئة ظرف جديد، في ظل نية احتلال باقي فلسطين، أي كأنهم يودون تخفيف العداء لفلسطينيي عام 1948، كونهم مقبلين على حكم أعداد جدد، هم فلسطينيو عام 1967.
لكن مع استمرار الاحتلال هنا، والعنصرية هناك، تغيرت الأمور، أو بالأحرى ظهرت بشكل جليّ، يظهر بسياسة عدائية تجاه كل الفلسطينيين.

فما البعد المستقبلي للصراع هنا؟
لقد سعى إذن اليمين الى جعل أبناء فلسطين التاريخية أعداء، ما سيدفعهم خصوصا الجيل الجديد، الى البحث عن ديناميات مقاومة هذا التغول الاحتلالي. أي بكلمات أخرى، فإن اليمين الآن يوحد الفعل الوطني الفلسطيني في فلسطين التاريخية، ضد إجراءات الحكومة الإسرائيلية ضدنا معا، متذكرين قصر نظر تعيين بن جيفر وزير الأمن القومي (الداخلي) بصلاحيات واسعة، الذي يرى فلسطينيي عام 1948 خطرا استراتيجيا على إسرائيل.
ما معنى أن تستعدي حكومة إسرائيل الفلسطينيين جميعا، بل والعرب والمسلمين، (لنتأمل بصورة إسرائيل في المونديال).

ترى، كيف نبدع في الرد على اليمين الإسرائيلي في فلسطين التاريخية؟ وعالمنا العربي، ففلسطين أحبت النظم أو لم تحب، هي جزء مهم من الأمتين العربية والإسلامية والعالم الذي لا يمكن قبول هذا الظلم الاحتلالي أبدا.
سؤال ذكي، ربما استفزازي، لكنه ضروريّ، والأكثر ضرورة هو الفعل الفلسطيني أولا ثم الفعلين العربي والعالمي.
الجواب حسب خصوصية فلسطين 1967 وفلسطين 1948 وهما معا.

من الآخر، إذا فكرنا بتجرد وموضوعية، وتأمل خبراتنا السياسية على مدار عقود، قبل أوسلو وبعدها، سنجد أن في هكذا وضع فلسطيني تحت الاحتلال، فإن الردّ ينبغي أن يكون عميقا؛ ففي الوقت الذي كشفت الانتخابات تطرف الإسرائيليين، شعبا ونوابا، والذي يعني أصلا نقصان في الصورة الإسرائيلية عالميا، فإن الارتقاء بالخطاب السياسي الفلسطيني المقترن بأفعال حكومية شرعية في فلسطين خصوصا في مناطق ما يسمى جيم والأغوار، والذي سيجعل العالم متضامنا معنا، بحيث يصير التناقض ليس فقط فلسطينيا-إسرائيليا، بل إسرائيليا-عالميا؛ فنرسخ بقاء شعبنا في مختلف أماكن وجوده، من خلال شراكة فلسطينية مع كل يد شقيق أو صديق يرغب بدعم شعب فلسطين، حيث سيغدو هنا موضوع الاستيطان عائقا موضوعيا كي يحيا الفلسطينيون، حياة عادية.
وهذا يعني أن تدرس منظمة التحرير وحركة فتح بشكل خاص، بالتفاهم الوطني مع حركتي حماس والجهاد، أمر هذا الاشتباك على الأرض من خلال إدارة عادلة، وحكم رشيد، وارتقاء في الخطاب السياسي والإعلامي، (ومن مرة) تنجز استحقاق الانتخابات التي هي لاختيار نواي يختارون حكومة هنا، لأن الأهم أصلا هو الاشتباك السياسي بقيادة منظمة التحرير، حيث تشكل السلطة رافعة لتقوية البقاء هنا. ويمكن النظر بتجرد في إمكانيات أبناء شعبنا، ومن يملكون القدرة على الفعل بذكاء على الأرض، رغم وعي اليمين الإسرائيلي على هذا الأمر إلا أنه سيجد تدميره صعبا أمام الرأي العالمي.

سنكون بذكاء أمام حكومة خلاص وطني تواصل البناء، وتقطع الطريق على أية تجاوزات إسرائيلية تستهدف ضربنا، ان امتلكنا ذكاء الفعل.
أما في فلسطين عام 1948، فإنهم هناك قد مضوا في طريق إثبات الأمر الواقع، وسيرون أن تطوير حياتهم باستمرار ممكن، من خلال كل الوسائل، والتي تستقطب التضامن العام والدولي تجاه مواطنين لهم حقوق قومية ومدنية.
خلال ذلك، يمكن التعاون النضالي بين هنا وهناك، بعيدا عن منح اليمين فرص تحديد نوع الاشتباك، وهو الذي يجعلنا في حالة الخسارة.
ودوما يحتاج اليمين حالات انفعالية للشعب تحت الاحتلال ليجد مبررا للقمع، حيث سيصبح كسر الطريق عليه عبقرية، حتى تأكل النار المتطرفة نفسها.
وهذا لا يبعد عما ذكره وزير “الأمن الداخلي” الإسرائيلي، عومير بار ليف إلى أن “المجتمع الإسرائيلي يزداد عنفا، وجزء من نتيجة ذلك وفقا لما صرّح به، هو حصول (الفاشي إيتمار) بن غفير و(رئيس الصهيونية الدينية، بتسلئيل) سموتريتش على 14 مقعدا”.

دوما من المهم معرفة ما بأيدنا، وما يمكن إنجازه، كذلك تحديد المعيقات وطرق التغلب عليها، وهذا يحتاج الى تكون القلوب على بعض والعقول كذلك والأيدي.
هم يتشظون ونحن نتحد.
هم يخسرون الرأي العالمي أنظمة وشعوبا، ونحن نكسب.
لتجد حكومة اليمين نفسها ضد فلسطين 67، و48، والعرب والمسلمين والعالم، هذا جيد!
قضيتنا عادلة، ومن السهل إن أردنا، أن ننجز الكثير، فنحن شعب عريق، لسنا نبتا غريبا، فالأرض تعرفنا حين نزرع وحين ننشد وحين نمشي، وحين نسير بخطى واثقة نحو تحقيق الكرامة في فلسطين التي نعرفها ويعرفها الشباب من نابلس الى يافا، الذين باتوا يعرفون الطريق، بدون نزق، بل بطول نفس.
هذا حصاد التخطيط الصهيوني، الذي انقلب عليه، فما دامت “إسرائيل وحكوماتها” مش جاييتها وجه”، لتتلقى إذن جزاء فعلها المشين والمتحدي لأبسط القوانين الإنسانية والدولية.