فلنعطل الذريعة الفلسطينية. لرؤساء المستوطنين حل للمواجهات المتعاظمة في مناطق الضفة الغربية: “سور واقٍ 2”. واضح لهم أن الطرف الآخر لا يفهم إلا لغة القوة، وأن القوة وحدها هي التي ستؤدي إلى الهدوء. خطأ. حملة “السور الواقي” لم توقف الإرهاب الفلسطيني. كان حجم الإرهاب، بعد الحملة، مشابهاً بحجومه قبلها. والانتفاضة لم تتوقف إلا بعد انتخاب محمود عباس رئيساً للسلطة الفلسطينية في بداية 2005 وبأمره الصريح.
إن إعادة الخيار السياسي إلى جدول الأعمال كفيلة بأن تسهم في تهدئة الميدان (حتى لو كانت تغضب رافضي السلام من الطرفين، وتدفع بعضهم باستخدام العنف). إن مفتاح عودة هذا الخيار موجود بيد إسرائيل التي تجتذب اليوم إلى شرك العنف الفلسطيني التي تعدها لها المحافل الفلسطينية المتطرفة. سبيل عمل ذلك ليس معقداً. فقد عارضت إسرائيل السماح للفلسطينيين في شرقي القدس بالتصويت في الانتخابات البرلمانية والرئاسية التي كان يفترض أن تجرى في منتصف 2021. في الوضع الناشئ، أعلن الرئيس عباس بأن الانتخابات لن تجرى على الإطلاق. كانت إسرائيل قد سمحت من قبل بمشاركتهم في الانتخابات الأولى للمجلس التشريعي الفلسطيني وللرئاسة في 1996، وفي انتخابات الرئاسة في 2005، والانتخابات البرلمانية في 2006. حكومة جديدة في إسرائيل يمكنها أن تعود لتسمح لهم بالتصويت، سواء في انتخابات الرئاسة أم انتخابات المجلس التشريعي، الأمر الكفيل بإلغاء الذريعة المكشوفة لعدم إجرائها. وواضح أن عباس، الذي تخوف من نتائج الانتخابات، امتنع عنها، وتكفلت إسرائيل بذلك. ليس لإسرائيل مشكلة أمنية أو غيرها في السماح لفلسطينيي شرقي المدينة بالتصويت، وفي اللحظة التي تفعل فيها هذا، ستحرك خطوة كفيلة بتغيير الوضع بسرعة كبيرة.
لن يكون لعباس مفر غير الإعلان عن الانتخابات، لن يكون فيها، بالضرورة، هو المنتصر. ويمكن لإسرائيل في أعقابها أن تفحص إلى أين تتجه القيادة الفلسطينية. استعداد القيادة المنتخبة بالشروع في محادثات سياسية مع إسرائيل ينبغي أن نستقبلها بالترحاب. قرار فلسطيني بعدم عمل ذلك وربما حتى إلغاء الالتزام الفلسطيني باتفاق أوسلو كفيل بأن يؤدي بإسرائيل إلى خطوة من طرف واحد، تحررها من السيطرة المباشرة على “المناطق” [الضفة الغربية] وعلى ملايين الفلسطينيين الذين يسكنون فيها.
الوضع الحالي الذي يعود فيه أبناؤنا إلى مخيمات اللاجئين والقصبات والأسواق، ويصطدمون بالشبان الفلسطينيين، يجب أن يتوقف. أي عملية “سور واق 2” ستزيد العنف، وسيكون ثمنها باهظاً جداً.
إنها الديموغرافيا، يا غبي!
بعد سنوات طويلة كانت فيها إيرلندا جزءاً من بريطانيا العظمى، سعت للانفصال عنها. في 1922، بعد صراع طويل وعنيف، منح الاستقلال لـ 26 من أصل 32 محافظة كانت فيها أغلبية كاثوليكية. بقيت 6 محافظات كانت فيها أغلبية بروتستانتية والتي أرادت أن تبقى جزءاً من بريطانيا، خارج إيرلندا وأصبحت “شمال إيرلندا” التي تعود للمملكة الموحدة.
على مدى 70 سنة، ساد توتر شديد بين الكاثوليك في شمال إيرلندا الذين تاقوا للارتباط بإيرلندا، وبين البروتستانت الذين عارضوا ذلك. العنف الكاثوليكي ضد رموز الحكم البريطاني كان قاسياً جداً، وأصبح شمال إيرلندا مكاناً عنيفاً لم يصله من لم يكن ملزماً بذلك.
“اتفاق يوم الجمعة الطيب” في 1998 وضع حداً للعنف بقدر كبير. أقيمت مؤسسات حكم ذاتي سيطر عليها البروتستانت والكاثوليك بشكل مشترك، وتقرر أن مستقبل السيادة على المحافظات الإيرلندية الستة سيتقرر في استفتاء شعبي.
التسوية الانتقالية هذه كانت مريحة لكل الأطراف، ولكن تبين قِصر يد الاتفاقات الانتقالية الممتدة: قبل بضعة أيام، انتهى إحصاء في شمال إيرلندا، كانت نتائجه الرسمية تحولاً ديموغرافياً. من الآن فصاعداً هناك أغلبية كاثوليكية في الشمال أيضاً. بدأ الكاثوليك يطالبون باستفتاء شعبي الآن. أما البروتستانت فلا يسارعون إلى أي مكان؛ لأنهم يعرفون ما ستؤول إليه النتائج. يعود التوتر إلى بلفاست. وثبت مرة أخرى أن تسوية انتقالية أيضاً مهما كانت ناجحة، ليست بديلاً عن تسوية دائمة مزعجة. وثبتت مركزية الديموغرافيا مرة أخرى.
بقلم: يوسي بيلين
إسرائيل اليوم 7/10/2022