بقلم: داود كتّاب
نجح الدبلوماسي الفلسطيني، خافيير أبوعيد، بإتمام بحث مطوّل عن دور المسيحيين العرب في النضال الفلسطيني. وقد أصدر عن دار جامعة الكلمة الفلسطينية كتابا تضمن شهادات حية، ابتداء من دور الإعلامي عيسى العيسى في أوائل القرن العشرين، مرورا بدور المفكر إدوارد سعيد ومؤسس جامعة بيرزيت حنا ناصر والخبير في المفاوضات كميل منصور وعضو اللجنة التنفيذية سابقا لمنظمة التحرير حنان عشراوي والكاتب المحامي رجا شحادة والمحامين الذين كان لهم دور في دعم حركة حقوق الإنسان وتوثيق جرائم المحتلين الإسرائيليين، إضافة إلى المفكرين والسياسيين، مثل وديع حداد وجورج حبش وكمال ناصر، ورؤساء بلديات مثل عيسى البندك وإلياس فريج وبشارة داود وكريم خلف، ورجال أعمال مثل سعيد خوري وحسيب الصباغ وكثيرين غيرهم.
خافيير أبو عيد من بيت جالا ومواليد تشيلي، جمع بين الإخلاص لفلسطين والتمسك بإيمانه المسيحي. قرّر العودة إلى فلسطين، والتحق بفريق المفاوضات الفلسطيني. عمل مع المرحوم صائب عريقات على نشر كتاب يجمع بين التاريخ الفلسطيني الموثق بأكثر من 500 رابط في قسم الهوامش لمصادر موثوقة أو مقابلات أجراها الكاتب. يخصص فصلا لشهداء فلسطين المسيحيين، منهم رئيس بلدية بيت جالا أندرية الذي قتله البريطانيون ونعيم خضر سفير فلسطين في بلجيكا وكمال ناصر، وينتقل الى شهداء الانتفاضتين، ليذكّر بنضال ربضي من القدس ورانيا مرة وجوني الثلجي وقارع جرس كنيسة المهد سمير سلمان والطفلة كريستين سعادة ويعقوب الشوملي وغيرهم. ويوفر أبو عيد معلومات غير معروفة عن مباركة الأب إبراهيم عيّاد أول عملية لحركة التحرر الوطني الفلسطيني (فتح)، وأدوار شخصيات كنسية عديدة في كل مراحل الكفاح المسلح والنضال باللاعنف، موفرا معلومات واسعة عن المطران كبوشي والبطريرك ميشيل صباح والأب إلياس شقور والمفكّر مبارك عوض.
يعي المتابع للنضال الفلسطيني أن القيادات الفلسطينية جمعاء كانت مقدّرة أهمية المكون المسيحي ودوره في حركة النضال، ولم يبخل الرئيسان ياسر عرفات ومحمود عباس في تأكيد هذا الدور وتعزيزه في كل التشريعات والتعيينات والمشاركات، فمنذ عودة القيادة إلى فلسطين لم يغب القادة عن قدّاس منتصف الليل في كنيسة القيامة. وفي المقابل، لم يشعر المسيحيون في أي فترة بأنهم مهمّشون أو مضطهدون بأي شكل.
قد يكون أصعب ما حاول الكاتب معالجته هو الصراع الداخلي بين أبناء الطوائف المسيحية الفلسطينيين والقيادات الدينية غير العربية، والتي شكّلت نوعا من الاستعمار الديني. كما يعالج الكتاب دعم قيادات صهيونية بصورة مباشرة لمن “لعبوا على الحبلين”، يقولون شيئا في العلن ويفعلون عكسه في الخفاء. وينجح خافيير أبو عيد في دحض دعاة الصهيونية المسيحية، مستشهدا بمواقف (ودراسات) مسيحيين إنجيليين وطنيين في فلسطين، أمثال القس عودة رنتيسي والقس نعيم عتيق وجين زرو وآخرين.
محاولة تعريب الكنيسة الأرثوذكسية، والتي بدأت بكتابات قوية للصحافي والناشر الأرثوذكسي عيسى العيسى، واستمرّت في العمل على محاربة الفكر المسيحي المتصهين أيضا كانت من عناصر كتاب “متجذرون في فلسطين .. دور المسيحيين الفلسطينيين في حركة التحّرر الوطني 1917-2004”. تكتب نائبة مراقب فلسطين الدائم لدى الأمم المتحدة، السفيرة فداء عبد الهادي، في مقدمة الكتاب، إن المؤلف ساعد في “معرفتنا وتقديرنا دور المسيحيين الفلسطينيين في النضال الفلسطيني، وجسّد الدور الهام لهم في كافة مراحل النضال الوطني الفلسطيني”.
قبل طباعة الكتاب، ينقل المؤلف الفلسطيني المسيحي، خافيير أبو عيد، خبر استشهاد الصحافية شيرين أبو عاقلة وجنازتها في القدس القديمة، والتي حاول الاحتلال إيقافها ومنع رفع العلم الفلسطيني على جثمانها. ويختم الكتاب بقول البطريرك اللاتيني، ميشيل صباح، في أثناء الانتفاضة الأولى، وموجها كلامه إلى الفلسطينيين من مسلمين ومسيحيين، قائلا: “إخوتي وأخواتي، عليكم الاستمرار في الوحدة والتضامن، عليكم محبّة بعضكم بعضا، لأننا معا نتشارك بالمعاناة وبالأمل. ما هو لدينا علينا أن نتشارك به كان قليلا أو كثيرا”.
يجب أن تكون أقوال البطريرك صبّاح مرجعية لنا في هذه الأيام وفي المناسبات الوطنية والدينية. .. وكل عام والجميع بخير.