تفاصيل مجزرة مخيم جنين.. الشهداء رفضوا الاستسلام وقاوموا حتى الرمق الأخير

EDITORS NOTE: Graphic content / Masked Palestinian gunmen walk along an alley during an Israeli army raid in the Jenin camp for Palestinian refugees in the occupied West Bank on March 7, 2023. Israeli troops on March 7 killed six Palestinians and wounded 11 others during the raid in Jenin, the Palestinian health ministry said in an updated toll. Among the wounded, two had serious injuries, the ministry said in a statement. (Photo by JAAFAR ASHTIYEH / AFP)

وسط حارة ” سليط ” في حي “الغُبس ” في الطرف الشرقي من مخيم جنين، يقع المنزل الذي استهدفته قوات الاحتلال خلال عدوانها الجديد على مخيم جنين أمس، ويتوسط المنزل الذي يملكه الأسير المحرر إياد العزمي عدة منازل قديمة ومتلاصقة مأهولة بالسكان في أحد أقدم مناطق المخيم التي لا يمكن الوصول إليها بسهولة.

في وقت وزمان لم يتوقعه أحد، تسللت وحدات المستعربين الخاصة إليها سيراً على الأقدام، مستخدمة الكلاب البوليسية، ووحدة “اليمام ” الإسرائيلية، مدعومة بالطائرات المسيرة التي حلقت على ارتفاع منخفض لإسناد المستعربين في تحركهم وإكمال حصارهم للمنزل؛ فالعمليات العسكرية كما درج الاحتلال على تنفيذها واعتاد عليها المواطنين، تتم عادة في الليل وساعات الفجر أو الصباح الباكر، لكن في هذه المرة حددت أجهزة الأمن الإسرائيلية الزمان، في منتصف النهار؛ وذلك بحسب مراقبون، لمباغتة المخيم ومقاومته والمجموعة المستهدفة، ولانشغال المواطنين والأهالي في أعمالهم، أو الاستراحة في منازلهم بعد الغذاء.


وطوال الفترة الماضية، ركز الاحتلال في عدوانه وعملياته الميدانية، على وحدات المستعربين التي تقود الكمائن والهجمات متخفية بالزي المدني ومركبات تحمل لوحة ترخيص فلسطينية.

يقول المقاوم أبو محمد من كتائب شهداء الاقصى لواء الشهداء: “بسبب جاهزية واستنفار المقاومة وتصديها الدائم للاحتلال في اقتحاماته وعملياته، أصبحت الوحدات الخاصة الطريقة الوحيدة للتسلل وتنفيذ العمليات، وقد أفشلت المقاومة عدد كبير من عملياتها سواء الليلة أو خلال الصباح الباكر”، ويضيف “لدينا فرق رصد ورقابة دائمة ترصد حركة الاحتلال طوال الوقت، وتمكنت المقاومة الموحدة خلال الفترة الماضية، من كشف وإفشال عدة محاولات اقتحام حتى في ساعات الصباح، لذلك غيّر الاحتلال تكتيته في عملية الثلاثاء، واختار وقت ما بعد الظهيرة، واستخدم مركبة فلسطينية مكنته من التسلل للمنطقة “.

 ويتابع “رغم ذلك، اكتشفت العملية، واستنفرت المقاومة وتصدت للوحدات الخاصة والقوات المساندة، ما أدى لإطالة فترة العملية، فالمواجهات المسلحة العنيفة قلبت حسابات الاحتلال، ولم يتمكن من الخروج من المخيم إلا بعد 4 ساعات، وبدعم من المروحيات العسكرية “.

وروى شهود عيان، إن الوحدات الخاصة استخدمت شاحنة فلسطينية كبيرة، في التسلل للحارة، ونشر نشطاء  مقاطع فيديو، أظهرت مشاركة أكثر من 50 عنصراً من المستعربين برفقتهم الكلاب البوليسية، وهم يتسللون في حالة استنفار ويتوزعون في المنطقة، وبلمح البصر، حاصروا منزل الأسير المحرر إياد العزمي من كافة الجهات، وبحسب المواطن محمد سيلط، فإن عائلته فوجئت بالمستعربين يقتحمون منزلها الذي يرتبط مباشرة بالمنزل المستهدف من خلال ثغرة ” فتحة ” قديمة بالجدار المؤدي إليه، فاحتجزوا أسرته، واستعدوا للهجوم بانتظار استكمال باقي القوة لحصار المنطقة والمنزل.

أغلقت الوحدات الخاصة أهم منفذ لهرب المقاومين الأربعة الذي كانوا يتحصنون في المنزل المجاور، لكن في الوقت ذاته، اقتحمت مجموعات أخرى من الوحدات الخاصة المنازل المجاورة، وأكملت الحصار في محاولة لإنجاز المهمة وتنفيذها بأسرع وقت، قبل انكشاف الهجوم الذي استهدف المطارد القسامي عبد الفتاح خروشة الذي تتهمه إسرائيل بتنفيذ عملية “حوارة ” التي قُتل خلالها مستوطنين.

 وبحسب الشهود، فانه خلال تقدم الوحدات الخاصة من الجهة الأمامية للمنزل المطلة على الشارع الرئيسي، كشفها المقاوم زياد أمين الزرعيني قائد كتائب الأقصى، فأطلق صرخة سريعة لتنبيه رفاقه، وبادر للاشتباك وإطلاق النار على مجموعة المستعربين التي تمكنت من إطلاق النار عليه وتصفيته على مدخل المنزل وهو يتصدى حتى الرمق الأخير.

أزيز الرصاص وتبادل إطلاق النار، أيقظ المقاومين في “عش الدبابير ” في المخيم ، وفور انتشار الأخبار، حول تسلل المستعربين لحي الغُبس، استنفرت المقاومة ودوت مكبرات الصوت، تدعو للنفير والتصدي والتوجه للمنطقة التي تحولت لساحة معركة عنيفة بين مجموعات المقاتلين من كتائب شهداء الأقصى لواء الشهداء، وكتيبة جنين التابعة لسرايا القدس وكتائب الشهيد عز الدين القسام، ومع انفضاح أمر المستعربين، زجت قوات الاحتلال بأكثر من 60 دورية عسكرية للمنطقة، مدعومة بجرافة والطائرات التي حلقت على ارتفاع منخفض، وقد تمكن المقاومين من اسقاط طائرتين مسيرتين، ما أثار غضب الاحتلال الذي استخدم الطائرات في عمليات القصف وإطلاق النار.

ووسط أجواء الاستنفار والغضب في مدينة جنين ومخيمها، والاشتباكات العنيفة بالرصاص والعبوات الناسفة، لجأت قوات الاحتلال لعزل المنطقة بشكل كامل، لفرض سيطرتها على المنزل المجاور حيث كان المقاومين الثلاثة المحاصرين يتصدون ويرفضون الاستسلام، فاحتل الجنود العمارات والمنازل واحتجزوا سكانها ونصبوا فرق القناصة التي أطلقت النار على كل من شارك في المواجهات سواء المسلحة أو الجماهيرية، مما أدى لارتقاء المقاومين محمد وائل الغزاوي قائد كتائب شهداء الاقصى في مخيم جنين، وطارق زياد الناطور قائد كتائب شهداء الاقصى في المدينة، ووقوع عدة إصابات أخرى، بينما منع الاحتلال الصحفيين وطواقم الاسعاف من الوصول لمنطقة العملية.

في هذا الوقت، أطلق سكان المنطقة نداءات للاسعاف والمنظمات الانسانية، لإغاثتهم من قمع الاحتلال واحتجازهم كدروع في منازلهم، وإخراج عدة مصابين برصاص الاحتلال في أحياء قريبة، حيث وقعوا على الأرض مضجرين بالدماء، ولم يتمكن أحد من الوصول اليهم لكثافة إطلاق النار من القناصة، وأفاد مدير الاسعاف والطواريء في الهلال الاحمر فرع جنين محمود السعدي لـ”لقدس” دوت كوم، أن الاحتلال أعاق طواقم الاسعاف في بداية العملية ولم تتمكن من الوصول لمصابين رغم استغاثة الاهالي بوجودهم في الشوارع وهم ينزفون، وفي مرحلة لاحقة، تعرضت مركبات الإسعاف لإطلاق النار.

وخلال ذلك، كان تركيز الاحتلال ينصب على المنزل المحاصر، الذي تعرض لإطلاق قذائف الأنيرجا التي سقط اثنين منها أمام منزل الكاتب عصري فياض والذي نجا وعائلته من الموت باعجوبة حسب ما أفاد.

فياض الملاصق منزله بشكل مباشر  لمنزل العزمي، أوضح لمراسلنا، أنه خلال محاولة مغادرة منزله حوالي الساعة الثانية بعد الظهر، شاهد وحدات المستعربين وجنود الاحتلال في محيط منزله ويحاصرون المنزل المجاور، وسرعان ما سمع صوت إطلاق نار كثيف.

 ويقول: “لم نتمكن من تحديد جهة إطلاق النار، فقد كان من كل ناحية وصوب واعتقدنا أن منزلنا هو المستهدف، فانسحبت وزوجتي وأطفالي وثلاثة نساء كن بمنزلنا للغرفة الداخلية للاحتماء وتلاشياً لأي مخاطر “، ويضيف ” بعد ثلاثة دقائق، أطلق الاحتلال قذيفة أنيرجا على مدخل منزلي وانفجر وحطم زجاج النوافذ والقاطع داخله، فاضطرنا للانسحاب نحو غرفة أكبر أمناً”.

يروي فياض، إن معركة عنيفة اندلعت في محيط منزله، واستمر  إطلاق النار من كافة الجهات، وبشكل مفاجئ، بدأت القذائف تتساقط وتتفجر في المنزل المجاور مما يؤدي لاهتزاز منزله.

 ويضيف “عشت لحظات مروعة في ظل القصف؛ فقوات الاحتلال قصفت المنزل بـ16 قذيفة، وكان هناك استخدام للمعاول لأحداث كما يبدو ثغرة للتسلل، ويتقدم الجنود نحو الهدف في ظل تبادل إطلاق نار غزيز، وباعتقادي، أن المحاصرين، كانوا يتصدون ويشتبكون مع القوة المحاصرة “.

 ويكمل ” الربع ساعة الاخيرة من العملية، كانت أشد وطاة، حيث تقدم المقاومين من كل ناحية نحو الجنود، وبدأ الاشتباك من نقطة صفر، كانت المعركة حامية، وبعد انسحاب قوات الاحتلال، غادرت منزلي، وشاهدت جثمان شهيد داخل المنزل المدمر، الشهيد القسامي عبد الفتاح خروشة، وجثمان شهيد آخر أمام منزلنا، وكان الشهيد زياد الزرعيني، وشهداء في كل ناحية في المنطقة، وهم ؛محمد خلوف ، ومحمد وائل الغزاوي ومعتصم الصباغ “.

في مخيم جنين، يتفاخر الأهالي والمقاومة ببطولات وروح الوحدة الوطنية التي جمعت الشهداء وتضحياتهم وتصديهم للاحتلال.

 المتحدث باسم كتيبة جنين أبو جميل، صرح، أن المخيم سيبقى قلعة للوحدة والمقاومة، وقال” وصول الاحتلال للمقاومين كان مستحيلاً دون استخدام الوحدات الخاصة، ورغم القوة العسكرية الكبيرة، وعمليات القصف، فإن المحاصرين الأربعة صمموا على خوض معركة بطولية والاستبسال في المقاومة والتصدي، فقد رفضوا الاستسلام، وقاتلوا حتى رووا بدمهم ثرى المخيم الذي هب وانتفض وخاضت مقاومته بكل أجنحتها العسكرية قتالاُ شرساً أدى لوقوع الاصابات في صفوف جنوده وإسقاط مسيرتين، وأضاف ” هذه المجزرة، ستزيد من قوة وصلابة المقاومة، وسنبقى على عهد ودرب الشهداء شوكة في حلق المحتل ورأس حربة، فكلنا مشاريع شهادة “.

 أما أبو محمد المتحدث باسم كتائب القسام ، فقال:”واهم اذا اعتقد الاحتلال أنه نال من عزيمتنا وارادتنا، سنبقى موحدين بالارادة والمقاومة والميدان في معركة مفتوحة ستؤدي لاندلاع انتفاضة جديدة حتى دحر الاحتلال، ولن نتراجع مهما كان الثمن”.