بقلم: محمود حسونة
استقبلنا عاماً جديداً، بعد أن ودّعنا، عام الأزمات الكبرى التي انعكست معاناة للإنسان في معظم أركان الكوكب، وجوعاً وتشرداً وضياعاً للملايين من الناس.
العام الجديد يتوقعه الخبراء ومراكز البحوث امتداداً لسابقه؛ بل ويصدّرون الإحباط للناس بأن الوليد الجديد سيشهد المزيد من التضخم والركود، وأن معدلات النمو العالمي ستكون أقل من تلك التي شهدناها في العام المنتهي، وعلى الرغم من ذلك فليس أمامنا سوى الأمل سلاحاً حتى نستطيع مواصلة السير في طريق الزمن، وفي عالمنا العربي لا نملك سوى الأمل بعد أن عشنا سنوات وسنوات من الضياع ضربت بعض أقطارنا خلالها عاصفة «الخريف العربي» التي تركت عدة دول حطاماً، انقسمت خلالها الشعوب ونالت الفتنة من وحدة الأوطان وارتفع صوت الإرهاب، وفقد الكثيرون ذويهم من جراء العنف المسلح والصراع على السلطة، وأدار البعض ظهورهم للصالح الوطني تلبية لإرادة الخارج الذي استخدمهم خناجر في خصر الأوطان، وقنابل لتفجير الاستقرار.
الأمل ليس وهماً، فعلى الرغم من المآسي التي عاشتها شعوب عربية، فإن منطقتنا بها العديد من الدول التي تجاوزت التحديات وقهرت المستحيل وصنعت الأمل.. دول أنعم الله عليها بقيادة رشيدة، خططت ونفّذت، استثمرت في الوطن والمواطن فأنجزت ما أبهر العالم الخارجي، وحاربت الفساد ووصلت إلى الصدارة في الشفافية وفي المؤشرات المختلفة، وواجهت الإرهاب ونجحت في اقتلاعه واستبدلت بالخوف في نفوس مواطنيها الأمن والأمان، ووصلت إلى الفضاء وجلست بجوار الكبار في المريخ والقمر، دول نتباهى بمنجزاتها ونفخر بعروبتها؛ دول تشع أملاً ونتمنى أن تنتقل منها عدوى الاستقرار والإنجاز إلى دول أخرى سقطت في قاع الفتنة والضياع.
نأمل أن يكون عام 2023 عام التغيير والاستقرار والوحدة في لبنان وسوريا والعراق واليمن وليبيا، والسودان وفلسطين، فلو استمر لبنان تحديداً على حاله فسيهرب منه باقي أبنائه، وعلى الرغم من أن غيوم الفشل والانقسام والضياع السياسي والانهيار الاقتصادي تظلل سماءه، فإن أهله يعيشون على أمل التغيير، وهو ما لن يتحقق سوى بإزاحة كل الجاثمين على صدره في الداخل والمتحكمين في قراره بالخارج، وهو ما يستلزم تحرّكاً شعبياً لا يكتفي برفع شعار «كلن يعني كلن»، ولكن يصر على إزاحة «كلن». ولأن التغيير صعب المنال في بلد زعماء الطوائف، فإن لبنان الأمل لن يكون واقعاً سوى بإرادة دولية تفرض الاستجابة للمطالب الشعبية وترفع أيادي الخارج عنه.
العراق بدأ السير على طريق المستقبل، ولكن استكمال المسيرة يستلزم أيضاً رفع أوصياء الخارج أياديهم عنه، وتركه لشعبه يحدّد مصيره، وباعتبار العراق من أكثر البلاد التي عانت فساداً سياسياً واقتصادياً بعد الاحتلال الأمريكي فلن تتحقق آماله بالاستقرار إلا بعد محاكمة كل من عبث بمصيره السياسي، وأحيا فيه النعرة الطائفية، ونهب ثرواته وترك قراره مرتهناً لإرادة قوى إقليمية ودولية، ولكن إرادة الشعوب دائماً هي الأقوى وهي الأقدر على رسم خريطة المستقبل.
ولعل 12 عاماً من الصراع المسلح في سوريا تكفي، كانوا يريدون إرهاق سوريا وتجاوزت أفعالهم إرادتهم، وحان الوقت لعودة سوريا الموحّدة، وحان الوقت ليعود أبناؤها اللاجئون في عدة دول في الشرق والغرب إلى ديارهم، والبدء في إعادة إعمار المدن المدمّرة والنفوس المأزومة، ولعل 2023 يكون عام استعادة سوريا وعودتها إلى الحضن العربي.
من الأزمات التي تكاد تكون مستعصية على الحل، الأزمتان اليمنية والليبية، فالتقارير الدولية تؤكد أن اليمن مقبل على مزيد من الأزمات الغذائية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية في ظل التعنّت الحوثي الذي رفض العديد من مبادرات الحل الخليجية والدولية، ولكن الجماعة الإرهابية تستمرئ هذا الوضع المأزوم؛ لأنها لا تجد لنفسها مكاناً على أي خريطة للسلام والاستقرار. وعلى الرغم من ذلك فالأمل موجود، ولكن حال توافرت الإرادة الدولية للتصدي للحوثيين وداعميهم، فلا تكفي لغة التهديد فقط ولكن ينبغي الانتقال إلى مرحلة الفعل، والأمر ذاته ينطبق على الأزمة الليبية.
ولعل إنذار «الفرصة الأخيرة» الذي أطلقه قائد الجيش خليفة حفتر يُفيق الأطراف والميليشيات التي لا تقبل بليبيا موحدة مستقرة، ويتحقق الإجماع على إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، باعتبارها باب الأمل الوحيد لإنقاذ ليبيا.
ستظل فلسطين هي القضية العربية الكبرى، ولن تحل هذه القضية إلا بالتوافق الفلسطيني في مواجهة إسرائيل، ولكن يبدو أنه أصبح من المستحيلات. أما السودان فقد اختار طريق الحل، ولعل العام الجديد يكون عام بدء تنفيذ الاتفاق الإطاري بين المدنيين والعسكريين لينطلق السودان على طريق المستقبل. بالاتفاق مع “الخليج”