أيد ما يُسمى بـ”اليسار” في إسرائيل العدوان على مخيم جنين، هذا الأسبوع. وبرره واعتبره ضروريا بادعاء “إحباط أعشاش الإرهاب”، أي مجموعات المسلحين المحليين الذين يقاومون الاحتلال والمستوطنين وجرائمهم اليومية. ويزعم ممثلو هذا “اليسار” أن المستوطنين ووزراءهم مارسوا ضغوطا على الحكومة من أجل شن عملية عسكرية واسعة، وأن الجيش الإسرائيلي رفض ذلك، وهو وصف يجافي الحقيقة.
واعتبر عضو الكنيست السابق والباحث في “معهد أبحاث الأمن القومي” في جامعة تل أبيب، عوفر شيلح، الذي يعتبر أحد رموز “اليسار” في مقال نشرته صحيفة “يديعوت أحرونوت” اليوم، الخميس، أن “عملية الجيش الإسرائيلي في جنين حققت نجاحا في جانبها التكتيكي – العملياتي”، لكنه أشار إلى أن “العدو الذي فرّ من مخيم اللاجئين لا يشبه أي قوة مقاتلة مستقبلية قد يواجهها الجيش الإسرائيلي في غزة أو لبنان”.
وأضاف مبررا العدوان أن “المشكلة التي بسببها كانت العملية العسكرية مستوجبة ليست نوعية عصابات الإرهاب هناك، وإنما تمتعها بالحرية المطلقة التي وضعت مصاعب كبيرة أمام عمليات إحباط تنفذها قوات الأمن”.
وتابع أن “هدف العملية العسكرية المحدودة والتكتيكية إعادة حرية تنفيذ عمليات الإحباط التي ينفذها الجيش والشاباك. فقد اضطرت الوحدات التي جاءت في الأشهر الأخيرة لتنفيذ اعتقالات أو إحباط تنظيمات سعت لتنفيذ عمليات، إلى تنفيذ ذلك في ساعات النهار أو بقوة كبيرة”.
وحسب شيلح، فإن “عملية الجيش الإسرائيلي، الشديدة لكنها محصورة بانتقاء الأهداف والمنطقة، أعادت جزءا من الوضع إلى سابق عهده، وبعثت رسالة مفادها أن إسرائيل لن تسمح بـ’محميات إرهاب’ كهذه بالنمو. والانطباع هو أن مستوى التنفيذ كان جيدا. وأي شيء آخر، هو خطاب منفلت لجزء من وزراء الحكومة”.
وفي دفاعه عن عمليات الجيش هاجم شيلح الحكومة. “الشاشة المنقسمة يوم الإثنين الماضي، المشاهد من جنين في القسم الأول والاحتجاجات في مطار بن غوريون في القيم الثاني، دلّت على الوضع غير الممكن الذي جلبت الحكومة قادة الجيش إليه. من جهة، الحاجة إلى تنفيذ العمل العقلاني المدروس وإحباط الإرهاب من دون إشعال مواجهة كبيرة، وفيما في الخلفية وزراء منفلتون يطالبون بالمزيد من ’الإنجازات’ التي فائدة منها؛ ومن الجهة الأخرى، عناصر قوات الاحتياط المقتنعين بأن أي شيء تفعله الحكومة، وبضمن ذلك شن عملية عسكرية، غايته صرف الأنظار عن الانقلاب على القضاء”.
خلافا لترويج “اليسار” أن الحكومة والمستوطنين أملوا العدوان على الجيش، أكد الباحث في العلاقة بين الجيش والمجتمع في الجامعة المفتوحة الإسرائيلية، بروفيسور يغيل ليفي، في صحيفة “هآرتس”، أن “العسكرية في جنين مطابقة لرؤية رئيس أركان الجيش، هيرتسي هليفي”.
ولفت الباحث إلى أقوال هليفي خلال مؤتمر هرتسيليا، الشهر الماضي، أن أحد أسباب تصاعد العمليات في الضفة الغربية هو “الجيل الشاب في يهودا والسامرة، الذي لم يشهد ’السور الواقي’ (أي اجتياح الضفة عام 2002)، ويخطئ بالاعتقاد أنه بقوة الإرهاب سيحقق إنجازا هاما”.
وأشار الباحث أيضا إلى أقوال قائد منطقة القدس والضفة الغربية السابق في الشاباك، أريك باربينغ، أن “انتفاضة الأفراد” في العامين 2015 – 2016 في الضفة نجمت عن واقع الاحتلال الذي أنشأه “السور الواقي” في أوساط الجيل الشاب الفلسطيني. وأضاف الباحث أن “رئيس هيئة الأركان العامة يقترح تحليلا معاكسا، وهو غياب الردع”.
ورأى الباحث أن “التحليل الحساس لمسؤول الشاباك السابق استبدله هليفي بالمفهوم العسكري التقليدي من مدرسة موشيه يعالون، حول ’كي الوعي’ بواسطة القوة”. فقد قال هليفي أيضا إنه “يوجد الكثير من علم النفس في ميدان القتال. ويجب أن يشعر العدو بأن ما تفعله به يصعب تحمله، ويجب أن يتم التعبير عن القوة الشديدة”.
ووفقا للباحث، فإن “العملية العسكرية في جنين عبّرت عن توجه رئيس هيئة الأركان العامة: ممارسة قوة، التي ستساعد الجيل الشاب الفلسطيني على تجربة مفعول ’السور الواقي’ مرة أخرى. وليس صدفة أن العامل النفسي سيطر بواسطة ضربة البداية للهجوم الدقيق والمركز من الجو بواسطة طائرات مسيرة”.
وشدد الباحث على أن “العملية لم تكن مطابقة لتوجه الجيش فقط، وإنما حصد ثمارا أيضا. فقد أتاحت للجيش فرصة لإظهار قدرة عسكرية. فليس من قبيل الصدفة أن الجيش الإسرائيلي سمح بتغطية واسعة لأجهزة التحكم على العملية العسكرية، التي وُصفت بأنها واحدة من العمليات العسكرية التكنولوجية الأكبر في الضفة، بتعاون وثيق مع الاستخبارات وسلاح الجو والقوات البرية، الذين تزود معظمهم بحاسوب لوحي صغير. وكانت هذه العملية العسكرية الواسعة الأولى للواء الكوماندوز التابع لذراع البرية، الذي تشكل في العام 2015، ويعمل الجيش من أجل إظهار هيبته”.
وأضاف أنه “من دون الدخول في نظريات مؤامرة، فإن تطوير قدرات عسكرية يشجع على استخدامها. والجيش متأثر بـ’عبادة التكنولوجيا’، التي تدفعه إلى استخدام تكنولوجيا متطورة ضد الفلسطينيين، بمعزل عن المنطقة السياسي. ومنحت عملية ’بيت وحديقة’ العسكرية (في مخيم جنين) الجيش فرصة لتدريب تكتيكي كبير للمرة الأولى وواسع وعلني للتعاون بين أذرع الاستخبارات والجو والبر بشكل غير متاح في غزة ولبنان”.
وأكد الباحث على أن الموارد التي تسمح بهذا “تبرر زيادة ميزانية الأمن. فهذه فرصة لإظهار قدرة تكنولوجية، يستند إليها التزام الجيش غير الرسمي للسياسيين بضمان الحفاظ على الوضع القائم. أي سيطرة إسرائيل على المناطق (المحتلة) ومنع تسويات إقليمية، من دون الاضطرار لحل سياسي، إذ يوجد للصراع الإسرائيلي – الفلسطيني حل عسكري. وربما استجاب الجيش لضغوط سياسية بمهاجمة جنين، لكن بالتأكيد أنه لا يعاني من ذلك”.