بقلم: د. أسعد عبد الرحمن
في الأساس، نكتب اليوم عن الجنرال الأميركي (كيث دايتون) لنتعرف عليه وعلى خبراته و«مواهبه» وبخاصة وأنه لعب دورا مهما جدا في المرحلة التي أعقبت استشهاد الرئيس ياسر عرفات، وبالذات في أعقاب تداعيات «الانتفاضة الثانية» (28/9/2000–8/2/2005) والتي كانت انتفاضة مسلحة على عكس الانتفاضة الأولى في نهاية الثمانينات (8 ديسمبر 1987–1993). وطبعا، ساد–في حينه–«منطق» قوامه أنه إذا ما كان ثمة إمكانية لعودة «مسيرة السلام»، فإن واقعا عسكريا يجب بناؤه (إعادة «تفصيله”) بحيث «يلائم» الدولة الصهيونية التي «خاب أملها» في القيادة ال?لسطينية وفي مسيرة سلام تفاهمات أوسلو!
ولد الجنرال (دايتون) في الولايات المتحدة عام 1949، وحصل على شهادة في التاريخ، وعلى الماجستير في العلاقات الدولية، وهو صاحب خبرة عملية عسكرية خاصة في سلاح المدفعية، إضافة إلى خبرة دبلوماسية من خلال عمله ملحقا عسكريا في العاصمة الروسية موسكو. وقد عمل الجنرال (دايتون) أيضًا كمدير للعمليات ومدير الاستخبارات البشرية للدفاع في وكالة المخابرات المركزية الأميركية في العاصمة واشنطن، بما في ذلك منصب مدير مجموعة المسح للعمليات في العراق. كما عمل مديرا لمركز «جورج سي مارشال» الأوروبي للدراسات الأمنية الناشطة في مجالات?دراسات الأمن الدولي والدفاع والشؤون الخارجية، وهي في الأصل شركة أمنية ألمانية أميركية خرجت أجيالاً من المحترفين في مجالات الأمن العالمي، علاوة على دراسات مهمتها «إيجاد حلول للتحديات الأمنية الإقليمية من خلال بناء القدرات والوصول والترابط العالمي».
وقد تميز الجنرال (دايتون) بمواهبه الأمنية والعسكرية وقدرته على إعداد الجنود بطريقة تضمن ولاءهم وفق المعايير التدريبية والأخلاقية والسياسية الأميركية حيثما امتدت المهمات الموكلة إليه في الأقطار المختلفة. وهذه المؤهلات والمواهب قادته، بإرادة أميركية/إسرائيلية أساسا، إلى فلسطين في العام 2005.
بطبيعة الحال، تناغمت هذه المهمة مع المشاريع الأميركية المستقبلية للضفة الغربية وقطاع غزة بمعنى الحيلولة دون تحولها إلى قاعدة للمقاومة أو للاشتباك مع قوات الاحتلال الإسرائيلي والمستعمرين/ «المستوطنين». فمثلا كان المطلوب أميركيا (وبالتالي إسرائيليا) من الفلسطينيين في الضفة الغربية أن يتظاهروا بطريقة (حضارية!) فيما جنود الاحتلال الإسرائيلي يهينونهم ويقتلونهم يومياً أمام الحواجز، ويصادرون أراضيهم ويدمرون مزروعاتهم ويوسعون مستعمراتهم ويسعون لتهويد أماكن العبادة الفلسطينية بجوامعها (وفي الطليعة منها المسجد الأقص? في القدس والحرم الإبراهيمي الشريف في الخليل) وكنائسها (وفي الطليعة كنيسة القيامة في القدس وكنيسة المهد في بيت لحم).
ما فعله (دايتون) ببرامجه وتوجيهاته (وأحيانا محاضراته) يتلخص من حيث الجوهر في أنه حاول تأصيل «العمالة» فكريا، علاوة على الترويج للمراد الأميركي/ الإسرائيلي أي «سلام اقتصادي» بمعنى تحويل الشعب الفلسطيني إلى شعب مرتش بلقمة العيش و«مغانم» الحياة الاستهلاكية، بعد تأمين مرتب شهري من الدول المانحة، مقابل أن ينسى هذا الشعب قضيته الوطنية كلياً. ولذلك كله، اختير الجنرال الأميركي (دايتون) في العام 2005 ليكون منسقا أمنيا بسبب خبراته الأمنية والعسكرية وقدراته (اقرأ: «مواهبه») على إعداد الجنود بطريقة تضمن ولاءهم، وتعزز ?ناعتهم بأي هدف يردده هو ورجاله على مسامعهم. فما الذي أنجزه في حينه؟ وما مدى ديمومة إنجازه في هذه الأيام؟ نحاول الإجابة عن هذين السؤالين في المقال القادم.