قال المكتب الوطني للدفاع عن الأرض ومقاومة الاستيطان أن مخصصات الاستيطان تحتل مساحة مهمة في الموازنة الجديدة لدولة الاحتلال.
ويتضح بعد كشف النقاب عن بنود الاتفاقيات الائتلافية في حكومة اليمين المتطرف أن معظم مبالغ الاتفاقات الائتلافية والبالغة 13.7 مليار شيكل سوف توجه للاستيطان والمؤسسات الدينية اليهودية، إلى جانب وزارة الأمن القومي التي سوف تحصل على 9 مليارات شيكل إضافية يخصص قسم مهم منها لتشكيل ميلشيا مسلحة (الحرس القومي) يوظفها بن غفير كأداة لتنفيذ سياسته سواء في الداخل الإسرائيلي أم في الضفة الغربية المحتلة بما فيها القدس، فضلا عن مضاعفة الميزانيات التي ستحول إلى مجالس المستوطنات في الضفة لتوظيفها فقط في مراقبة وتوثيق البناء الفلسطيني في المناطق (ج) والتي تتجاوز 40 مليون شيكل.
ويستحوذ مخطط التسريع في بناء الطرق الالتفافية الجديدة، وهي طرق فصل عنصري تنفذها وزارة المواصلات الإسرائيلية في الضفة الغربية، ومخطط تحسين وضع الخدمات والبنى التحتية في المستوطنات والبؤر الاستيطانية وخدمات الأمن، والتي يتم استيعابها في موازنات مختلف الوزارات المعنية بما فيها وزارة الأمن، على مخصصات بمليارات الشواكل.
وتكشف الموازنة الجديدة سياسة الحكومة المتطرفة والعنصرية، التي ترصد حصة الأسد من الميزانية لصالح الجيش والمستوطنات والحروب وهي موازنة مبنية أساسا على الأفضلية القومية اليهودية ومشاريع التهويد والاستيطان، وتتجاهل احتياجات وحقوق المواطنين العرب بشكل صارخ ومجحف وتدمر بشكل منهجي فرص قيام دولة فلسطينية مستقلة على الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967.
ومن بنود الاتفاقات إقامة مركز زيارات في الحرم الإبراهيمي بالخليل بتكلفة 2.5 مليون شيكل كمركز لإرث غوش قطيف (الذي تم إخلاؤه في قطاع غزة في قانون فك الارتباط هام 2005) ومركز لاحياء ارث الحاخام دروكمان ب 4 مليون شيكل.
وينص أحد البنود على دعم إرث رحبعام زئيفي، وزير السياحة الإسرائيلي الذي قتل في فندق ريجنسي بالقدس الشرقية، بمليوني شيكل، وبهذا يوجه لهذا المركز مبلغ 1.9 مليون شيكل خلال العامين القادمين.
وتبلغ ميزانية قسم الاستيطان للعامين القادمين 399 مليون شيكل يخصص مبلغ 281 مليون شيكل لما يسمى تعزيز الهوية اليهودية، ومبلغ 9 ملايين لتشجيع الهجرة للمدن المختلطة ومليونين للجنة الاستيطانية في الخليل، وخصص لبند “القضاء العبري” مبلغ 5 ملايين ولبند خفي تحت عنوان “الاخصاب” مبلغ 11 مليون شيكل.
في الوقت نفسه، قدم أعضاء كنيست من الائتلاف الحكومي مشروع قانون يهدف إلى إلغاء ميزانيات لمدارس في القدس المحتلة بادعاء أنها تدرس المنهاج الفلسطيني، وكان من المقرر أن تناقش اللجنة الوزارية الإسرائيلية للتشريع مشروع القانون خلال اجتماعها لكن تقرر تأجيل النقاش لأسبوعين، وفي حال المصادقة على مشروع القانون، سيُلغى التمويل لمعظم المؤسسات التعليمية في القدس الشرقية المحتلة، ويدعي مشروع القانون أن منهاج وزارة التربية والتعليم الفلسطينية يتضمن “تحريضا على الإرهاب” بالرغم من أن كتب التدريس تخضع لرقابة وإشراف بلدية القدس التي تطبعها وتوزعها على المدارس باستمرار.
وكان وزير المالية والوزير في وزارة الأمن الإسرائيلية والمسؤول عن الادارة المدنية ومكتب منسق المناطق بتسلئيل سموتريتش، قد أوعز لمندوبي الوزارات بالاستعداد لاستيعاب نصف مليون مستوطن جديد في الضفة الغربية المحتلة، ودعا إلى تحسين البنية التحتية في المستوطنات.
وقال سموتريتش في عدة مداولات مغلقة إنه يعتبر مضاعفة عدد المستوطنين في الضفة “مهة أساسية” للحكومة، وبالرغم من أنه لم تتم المصادقة على ميزانية الدولة حتى الآن، إلا أنه تعهد خلال مداولات بأن تمويل المخطط لن يشكل مشكلة.
وكان سموتريتش قد عقد مداولات حول مخطط مضاعفة عدد المستوطنين مع مندوبي وزارات مختلفة، بينها وزارتي الأمن والمالية، في أعقاب اتفاقه مع وزير الأمن يوآف غالانت، حول صلاحياته في “الإدارة المدنية” للاحتلال، واستعرض سموتريتش في هذه المداولات مخططاته لتوسيع المشروع الاستيطاني وطالب بالبدء في تطبيقها فورا، وقال إنه ينبغي إخراج هذه المخططات إلى حيز التنفيذ خلال سنتين.
وطالب سموتريتش بإمداد بنية تحتية متطورة لجميع المستوطنات وبضمنها البؤر الاستيطانية العشوائية، والمستوطنون الجدد سيتم استيعابهم في المستوطنات القائمة وفي البؤر الاستيطانية العشوائية التي تعتزم الحكومة شرعنتها في الأشهر المقبلة، كما طالب بأن يشمل المخطط خططا لتسريع العمل في الطرق الالتفاقية الجديدة وللمواصلات الخاصة والعامة والتعليم والتشغيل، والذي ستبلغ تكلفته مليارات كثيرة من الشواكل.
وعلى الرغم من الإعتراضات والإدانات الدولية لقرار دولة الاحتلال تجاوز قانون فك الإرتباط من جانب واحد لعام 2005 والسماح للمستوطنين بالعودة إلى المستوطنات التي تم إخلاؤها في شمال الضفة الغربية عام 2005 كمستوطنة “حومش” وغيرها من المستوطنات في محافظة جنين، إلا أن إسرائيل تمضي قدما في مشروع السماح للمستوطنين العودة إلى تلك المستوطنات بكل ما يتطلبه ذلك من موازنات إضافية.
ففي أول تطبيق فعلي لقانون عودة المستوطنين أصدر وزير الجيش الإسرائيلي يؤاف غالانت، أمراً للبدء بتطبيق قانون أقره الكنيست منذ نحو شهرين، يتعلق بإلغاء قانون فك الارتباط عن مستوطنات شمال الضفة الغربية، حيث أمر قيادة الجيش الإسرائيلي بالضفة الغربية بتأمين دخول المستوطنين لتلك المناطق وتوفير الحماية الكاملة لهم، والسماح للمستوطنين بالعودة لبؤرة “حومش” المخلاة التي تم إعلانها منذ فترة قصيرة مستوطنة رسمية معترف بها، وستتم دراسة إمكانية نقل المدرسة الدينية في بؤرة “حومش” بضع مئات الأمتار من أجل أن تكون “شرعية” بعد رفض المحكمة العليا سابقاً إبقاءها مكانها وإخلاءها لوجودها على أراضٍ فلسطينية خاصة.
وفي سياق زحف الاستيطان على أراضي الفلسطينيين، أخطرت سلطات الاحتلال مجلس قروي الجلمة وعربونة المحاذيتين للحاجز العسكري المقام على أراضي القرية من الجهة الغربية الشمالية، بالاستيلاء على 144 دونما من أراضي القريتين لأغراض أمنية حتى 31/12/2027، علما أن الأراضي مملوكة لأهالي القريتين، ومن بينها 11 دونما مملوكة للأوقاف الاسلامية.
وشرعت قوات الاحتلال الإسرائيلي بإقامة مقطع من جدار الفصل العنصري على أراضي قرية الجلمة شمال شرق جنين على أرض محاذية لما يسمى بمعسكر الجلمة، تعود لمواطنين يملكون فيها أوراقا رسمية مسجلة في “الطابو”، وقامت سلطات الاحتلال بفرش طبقة من “البيسكورس” وباشرت المعدات العمل بالأرض، وأبلغت أصحاب الأراضي بعدم وضع مركبات في المنطقة من أجل إحضار مكعبات إسمنتية لبناء الجدار.
كما استولت سلطات الاحتلال على 14 دونما من أراضي بلدات: جيت، وفرعتا، وتل، بمحافظتي نابلس وقلقيلية مزروعة بأشجار زيتون تعود لـ10 عائلات، حيث أن هناك مخططا لتوسعة البؤرة الاستيطانية “حفات جلعاد” المقامة على أراضي كفر قدوم، وجيت، وصرة، وتل، وفرعتا، شرق محافظة قلقيلية.
كما نشرت ما تسمى “اللجنة الثانوية للاستيطان” التابعة لمجلس التخطيط الأعلى لدى سلطات الاحتلال، مخططا مرفقا بإعلان مفاده بأن المخطط قد طُرح للإيداع أي للاعتراض عليه خلال 60 يوما من تاريخ نشره، 14 أيار الجاري لتوسعة مستوطنة “مجدال عوز” المقامة على أراضي المواطنين في بلدة بيت أمر شمال الخليل، وتبلغ مساحة الأراضي التي جاء عليها المخطط (290 دونما) من أراضي بلدة بيت أمر الشمالية، ويهدف المخطط إلى تحويل صفة استخدام الأرض من أراضٍ زراعية ومنطقة غابة وآثار ومنطقة سياحية، إلى مناطق مفتوحة ومنشآت هندسية ومؤسسات عامة ومبانٍ ومناطق استجمام.
وفي سياق متصل، جرى الأسبوع الفائت مناقشة قانون “صندوق الأرنونا” وهو قانون يسري على المستوطنات في الضفة الغربية من دون اعتبار ذلك ضما فعليا، حيث ينص اقتراح القانون على أن تحول جميع السلطات المحلية، وبضمنها العربية، 10% – 28% من أرباحها السنوية من “ضريبة الأرنونا” إلى صندوق خاص، يعاد توزيعها على السلطات المحلية مجددا، بمبلغ 2000 شيكل سنويا، مقابل أي تصريح بناء للسكن تصدره سلطة محلية.
وقانون “صندوق الأرنونا” بعد اعتماده في الكنيست يسري مباشرة على المستوطنات في الضفة الغربية خاصة وأن أوسع أعمال البناء تجري فيها، علما أن سلطات الاحتلال تدرك أن ذلك يتناقض مع القانون الدولي، وسبب ضخ الأموال باتجاه واحد فقط من الصندوق إلى المستوطنات، وفقا لوجهة نظر قانونية، نابع من “قيود في القانون الدولي على إخراج أموال مصدرها في المنطقة المحتلة إلى إسرائيل، وسيخضع صندوق الأرنونا” لسيطرة حكومة اليمين المتطرف من خلال تعيينها مسؤولين في مجلس الصندوق يوجهون أمواله للسلطات المحلية وفق سياسة الحكومة.
على صعيد آخر ومنذ عام 1948 وهو تاريخ النكبة الذي رافقها مجازر وتدمير للمدن والقرى الفلسطينية، فإن النكبة ما زالت تتواصل فصولها وتداعياتها حيث تستكمل إسرائيل جريمتها على الأراضي المحتلة عام 1967، لأن المطامع الصهيونية لم تتوقف، وتنتظر اللحظة التاريخية المناسبة لطرد أصحابها منها من خلال وسائل متعددة ومنها المخططات الاستيطانية الجارية على قدم وساق في طوب الضفة الغربية وعرضها، فالمشاريع الاستيطانية لم تتغير بل ازدادت واستعرت، وما يحدث في مناطق (ج) والتي تبلغ مساحتها 61% من إجمالي مساحة الضفة الغربية، هو تهجير صامت بشكل شبه يومي، حيث تتعامل معها حكومة الاحتلال بانها الخزان الاستيطاني، كما أن ما يجري في أحياء القدس والبلدة القديمة وسلوان والشيخ جراح وفي أحياء أخرى مثل بيت حنينا وشعفاط من مشاريع استيطانية وهدم مساكن وتهجير قاطنيها هو جزء من أنشطة الجمعيات الصهيونية مثل “إلعاد” و”عطيرت كوهانيم” وغيرهما، في إطار مشروع تهويد المدينة المحتلة، وفي ذات الوقت تُبقي حكومة الاحتلال عيونها مفتوحة على مناطق (ب) التي سمحت للمستوطنين بشق الطرق فيها بتعزيز من “المحكمة العليا الإسرائيلية”، وخصصت الملايين لتوسعة الاستيطان وشرعنة بؤر استيطانية، وما جرى في بلدة حوارة جنوب نابلس في 26 شباط الماضي أعاد نكبة عام 1948 للأذهان، حيث تم حرق البيوت وأصحابها داخلها، بما يؤكد بأن النكبة مستمرة ولم تنته بعد وعمليات سرقة أراض الفلسطينيين متواصلة.
وفي هذا الصدد، أعلنت وزيرة المواصلات في حكومة الاحتلال ميري ريغيف، عن مشروع تهويدي ضخم في مدينة القدس، في ذكرى احتلال الشطر الشرقي للمدينة، وسيقام المشروع وفق ريغيف باستثمار مبلغ 30 مليار شيقل لإقامة شبكة مواصلات عامة حتى عام 2028 تربط شرقي المدينة مع غربها.
ويشمل المشروع عدة مسارات قطارات تحت الأرض وفوقها تضمن عدم تقسيم المدينة مستقبلا، كما تؤدي إلى تفتيت وتقسيم الجزء الشرقي من المدينة والتي ستصبح أحياء وجزرا متناثرة ومحاصرة بوجود استيطاني مترابط ومتماسك.
وشهدت مدينة القدس ابشع مظاهر العنصرية والعربدة في ذكرى احتلالها عام 1967، فقد شارك عشرات آلاف المستوطنين فيما يُسمّى “مسيرة الأعلام” الإسرائيلية يتقدمهم وزراء وأعضاء كنيست من الائتلاف الحكومي وعلى رأسهم وزير الأمن القومي إيتمار بن ورئيس لجنة الشؤون الخارجية والدفاع في الكنيست يولي إدلشتاين، ووزير الطاقة يسرائيل كاتس، ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، ورئيس لجنة الخارجية والأمن في الكنيست ووزير المواصلات ميري ريغيف، إلى جانب قيادات من أحزاب مشاركة في الحكومة ومسؤولين آخرين.
وقد هاجم المستوطنون صحافيين في المكان وتخللها إطلاق شعارات عنصرية بينها “الموت للعرب” و”فلتحرق قريتكم”، مع طرق شديد على أبواب المنازل والمحال التجارية في البلدة القديمة.